الحمد لله، أما بعد:
(ملخص السالفة): قبل أيام صدر الجزء الجديد من أشهر سلسلة ألعاب تصويب من منظور الشخص الأول (كول أوف ديوتي)، والمعروفة ب(كود) اختصاراً، وقد فوجئ مجتمع اللاعبين بوجود أوراقٍ ملقاةٍ على الأرض في إحدى خرائط طور الزومبي، عند تقريب النظر فيها تظهر فيها البسملة جليةً وتحتها نصوص آيات قرآنية أو شبهها كما تظهر في المخطوطات القديمة، هذا الأمر أثار ضجة- بطبيعة الحال- على وسائل التواصل الاجتماعي، والذي لفت نظر متفكر، هو مطالبة بعض اللاعبين المشهورين على الساحة بمجرد ( إصدار تحديث) من أجل تصحيح المشكلة، كما أن بعض اللاعبين قد تردد فيما حصل، هل هو مقصود أم غير مقصود، ثم قامت الشركة بإرسال بيان اعترفت فيه بوجود (خطأ) وقامت بإزالة الصفحات، لتنهي القصة بكل بساطة!

هذا التردد الذي حصل عند بعض اللاعبين في اتخاذ ردة الفعل، أثبت عندي بما لا يدع مجالا للشك أن هناك مشاكل كبرى عندنا في التفكير، فضلا عن مشكلة الخَوَر والمهانة الموجودة عند بعض الناس، هذه الإشكاليات سأحاول شرحها في النقاط التالية:
أولاً: مشكلة عدم التفريق بين الأصل والاستثناء، هل الأصل عند حدوث جريمة إساءة تجاه الغير أن يكون الجاني مسؤولا عن أفعاله ومحاسبا عليها أم الأصل أنه قد قام به عذر من الأعذار التي تزيل عنه وصف الإدانة؟ إن وجود العذر هو الاستثناء من القاعدة، وهو الذي يحتاج إلى إثباته بأدلة كافية حتى يتم إعفاء الفاعل. من غير المنطقي في التفكير جَعْلُ العذر هو الأصل عند حصول الجريمة أو حتى افتراض العذر احتمالا متساويا مع عدم العذر.
ثانياً: مشكلة الازدواجية وعدم الاطّراد، هؤلاء الأشخاص الطيبون جداً جداً، الذين يُبدِعون في التماس الأعذار في مثل هذه الحالات، الذين يملكون مرونة جسدية مذهلة في الانبطاح والاستلقاء، هل هم بهذه الطيبة والرقة إذا كانت الإساءة صادرة تجاههم أنفسهم أو تجاه أمهاتهم مثلا أو تجاه قبيلتهم التي يعتزون بها أو تجاه علم الدولة أو الحاكم أو الملك الذين يحبونه؟ أم أنهم يتحولون حين ذاك إلى رجال ممتلئين بالعزة والأنفة والرجولة من أن ينالهم أحد أو يجرؤ على التفكير بذلك!
ثالثاً: التنازل عما لا تملك: بعض الناس يظن أنه بالخيار- عند حصول إساءة تجاه الإسلام- بين العفو والتجاهل وبين المطالبة بالحق، تماما كما هو مخيّر في ذلك عند حصول تجاوز في حقوقه الشخصية، وهذا جهل فادح لا أظنه بحاجة إلى مزيد تعليق!
رابعاً: رأيي الشخصي: بحكم أني قد أكون من القلة الذين يجمعون بين التخصص في الشريعة والأنظمة، وبين العشق لألعاب الفيديو، فلا بد لي من التعليق على الموضوع، والذي أميل إليه هو وقوع جريمة إساءة مقصودة من شخصٍ أو أشخاص معينين تجاه ديننا الحنيف، بغض النظر عن كون ذلك مقصودا من الشركة الناشرة (آكتفجين)، هذه الجريمة تستوجب منّا الاحتجاج والمعاقبة بطريقتنا الخاصة، لا سيما أن هذه الكيانات الكبرى من الشركات وغيرها مسؤولة عن أفعال منسوبيها من الناحية القانونية، وعندي على هذه الجريمة أربع قرائن:
القرينة الأولى: قرينة التكرار، ذلك أنه قبل سنوات فوجئ اللاعبون بوجود نص حديث نبوي شريف (إن الله جميل يحب الجمال) مكتوبا على إطار إحدى اللوحات المعلقة فوق مرحاض من المراحيض، وتكرار هذا الأمر في هذا الجزء يدل على أحد أمرين: إما أنه مقصود بذاته، وإما أن الشركة لم تهتم بما فيه الكفاية لوقوع الجريمة في السابق ولم تتخذ من الإجراءات ما يضمن عدم وقوع هذه الإساءة البالغة مرة أخرى، وعلى كلا الاحتمالين لا بد من ردة فعل صارمة من المسلمين.

القرينة الثانية: واقع شركات الألعاب الكبرى: إن أي واحد له اطّلاع على عالم الألعاب يدرك أن هذه الألعاب الضخمة يعمل عليها جيوش من المتخصصين والمبرمجين ومصممي المراحل الذي يمتلكون أرصدة عالية من الخبرة والاحترافية، وأن اللعبة الواحدة تستغرق سنوات في التصميم والتجهيز، لأن هذه الألعاب تحقق إيرادات بمئات الملايين أو المليارات- بدون مبالغة- وتتعامل الشركات الكبرى في إنتاجها بمعايير إنتاج عالية وصارمة، هل يُعقل أن الاستوديو الذي يتأكد من واقعية قطرات العرق عندما تتصبب على وجه الشخصية ومن انسيابية شعر الرأس عند الحركة يفوته خطأ فاحش مثل هذا! إن أبسط شخص يستعمل الانترنت عندما يقوم بالبحث عن صور في جوجل مثلا، فإنه تظهر له هذه الصور مقترنة بتسميات لها تصف مضمونها! هل تريدون أن تقنعونا أن هؤلاء الناس المحترفين قاموا بأخذ صور القرآن بشكل عشوائي من الانترنت دون أدنى اطلاع على مضمونها!
القرينة الثالثة: المقارنة مع الغير: لو سلّمنا بأن هذا الجرم غير مقصود، فلماذا لا نراه يحصل (عَرَضاً وبشكل غير مقصود) مع رموز اليهود وشعائرهم المقدسة أو الديانات الأخرى كالبوذية أو حتى أتباع قوم لوط! أليس غريبا أن لا تحصل هذه الأخطاء (غير المقصودة) من الشركات غالباً إلا مع رموز الإسلام، ما هذا الازدراء الفاحش لعقولنا!
القرينة الرابعة: مستوى الاعتذار: بعد صدور الاعتذار من الشركة زادت قناعتي بأن الشركة لا تبالي بفداحة الجرم الواقع في لعبتهم، ولا تأبه لعظم الخط الأحمر الذي تجاوزته هذه المرة، ولا تتوقع من شباب المسلمين ردة فعل صارمة مثل التي يخافونها من جماعات دعم اللوطيين أو غيرهم للأسف! إن أبسط مقتضيات العدالة في كل القوانين أن يكون مستوى الاعتذار مساويا لمستوى الجُرْم، وعندنا في النظام السعودي- على سبيل المثال- فإن الصحيفة إذا صدرت منها إساءة تجاه أحد ما، فإن عليها- إضافة إلى العقوبات الأخرى- أن تنشر اعتذاراً له في نفس الموضع والصفحة التي أساءت له فيها سواء بسواء، وفي حين أن الجرم حصل على مرأى من الملايين الذين لعبوا اللعبة في شتى أنحاء العالم، مع كونه يمس بمليار ونصف من أتباع الدين الإسلامي، إلا أن الاعتذار كان عن طريق بيان باللغة العربية فقط، تم إرساله لبعض مواقع الألعاب المحلية، ثم نُشر على الحساب العربي لتويتر التابع للشركة الناشرة، وكأن بقية المسلمين غير العرب لا مشاعر لهم، حتى إن الشركة لم تتعنّ أن تظهر توبتها وخطأها على حسابها الأساسي العالمي أو مواقعها الكبرى، هذه الطريقة في التعاطي مع الموضوع أعطتني انطباعا قويا بأن الشركة إن لم تكن تتبنى هذه الإساءة من بعض مطوريها فهي على الأقل مهملة إهمالا جسيما في اتخاذ الإجراءات التصحيحية، ولو كان الأمر متعلقا بفضيحة إساءة جنسية لبعض الموظفات أو الإساءة لبعض الفئات التي تعرفونها لتمت الإطاحة بالموظف المسؤول فوراً واتخاذ إجراءات صارمة من أجل تبرئة الشركة من ذلك.
خامساً: حتى لو كان كل ما سبق غير صحيح، وكانت الإساءة غير مقصودة من المبرمج المسؤول، فإن هذا لا ينفي وجوب اتخاذ ردة فعل صارمة، لأن كل القوانين في العالم تحاسب الفاعل عند وقوع ضرر من أفعاله تجاه غيره، غاية الأمر أنها لا تعاقبه بنفس مستوى عقاب القاصد! وها هنا قد وقع ضرر بالغ وفادح على المسلمين.
أخيراً: كيف نضمن عدم تكرار الإساءة لديننا؟ هذه الإساءة قد لا تكون الأخيرة! ويجب أن يعلم الجيمرز السعوديون والمسلمون أن قدرتهم على التأثير على هذه الشركات التجارية تفوق قدرة السلطات الحاكمة! إن المطلوب منا بسيط جدا، لكنه مؤثر جدا إن تكاتف معظم اللاعبين على تحقيقه، وفي حين أن أسلافنا من المسلمين كانوا يقدمون أرواحهم وأموالهم دفاعا عن رموز هذا الدين، فإن من الغريب أن نجد أنفسنا مطالبين بالتخلي عن (جزء من تسليتنا وترفيهنا) نصرةً لهذا الدين، المطلوب هو التالي :
- عدم شراء الجزء الجديد أبداً وعدم لعبه، حتى بعد الاعتذار، يجب أن تكتشف الشركة لاحقا أن هناك نقصا حاداً وانهيارً بالغاً في مبيعات الجزء الذي تمت الإساءة فيه للمسلمين، مقارنة بالأجزاء السابقة، وأن هناك نقصا كبيرا في مباريات الأون لاين ونظام المشتريات داخل اللعبة، إننا نتعامل مع تجّار، ولا شيء يؤدب التاجر- بكل بساطة- أكثر من مقاطعة بضاعته.
- عدم إقامة بطولات محلية للعبة.
- إلغاء متابعة حسابات اللعبة في مواقع التواصل الاجتماعي.
- الاحتجاج عليهم بشكل مكثف في وسائل التواصل، وبجميع لغات العالم التي يتكلم بها المسلمون، وليس فقط بالعربية.
- مطالبة الشركة بتحديد المسؤولين ومعاقبتهم وإعلان ذلك للجميع، وهذا مهم جدا، حتى يتحقق الردع لبقية المطوّرين.
- هذا للمسلمين المقيمين في البلاد التي يقع فيها مقر من مقرات الشركة: رفعُ دعوى على الشركة بتهمة الإساءة للمسلمين وتقويض أسس التعايش معهم، والمطالبة بأقصى العقوبات والتعويض عن ذلك، ولا بأس بعد ذلك من تأسيس مركز إسلامي دعوي بهذه الأموال وتسميته: مركز (كول أوف ديوتي) الإسلامي!
ختاما: أتمنى منكم المشاركة في نشر هذه التدوينة بالذات على أوسع نطاق يمكن نشرها فيه، لأنها موجهة بالذات إلى مجتمع اللاعبين الذين يملكون تلقين هذه الشركة درسا لا تنساه بما يجعلها عبرة لغيرها من الشركات، وحتى لا يعتاد أبناء المسلمين على رؤية الإساءات والطعن في دينهم ورموزهم. وما رأيكم يا أصدقاء متفكر بشأن هذا الموضوع؟
رابط الانضمام لمدونة متفكر على التيليجرام: https://t.me/mutafakker
التفريق بين الأصل والاستثناء … جميل ..بوركت
إعجابLiked by 1 person
وفيك بارك الله أيها الكريم المار
إعجابإعجاب
السلام عليكم اخي الغيور على دينه المنصف في مخرجاته
لقد وقعت على الداء و وصفت الدواء وخالقي فلله درك نعم إن الكون ينتقض والحرب تزداد ضراوه على امة الاسلام في عالم رامى بأبجديات القيم الانسانية إبتداءً وكائنات تجور على الحق إرضاء للخلق ومن امن العقوبه اساء الادب عليه فإن ثمت فرق بين السلام والإستسلام ولا يحتاج الى شرح فإننا اليوم يتحتم علينا الوقوف في وجة هذا الارتداد من الامواج الفكريه العفنه ولا نجعل مقدساتنا كلماء في المفاوز تلغ فيها الكلاب ويكدر صفوها كل وارد فكلا بحسب الامكان يذود عن حياض الدين ومقدسات الامه بما أوتي من قوة ولا عذر لاحد فالمطلوب (ولو آية) والكلمة الطيبه صدقه ومن يهن يسهل الهوان عليه وما لجرحٍ بميتٍ إلام. والسلام. وقاله حسن الغريبي
إعجابLiked by 1 person
جزاك الله خيرا وكثر من أمثالك🌹
إعجابإعجاب
أسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على ما ذكرته وهذا ان دل إنما يدل على غيرتك ودفاعك عن ديننا الحنيف الإسلام الذى ارتضاه الله تعالى لنا دينا فاتم به نعمته علينا ووفقا لتقديري ان ما أسميته (القرينة الاولى) هي ليست قرينة بل دليل وبينة قوية على توفر القصد الاجرامي مما يتوجب معه المساءلة القانونية اضافة للمواقف الي ناديت بها والتي اتمنى ان يجد آذانا صاغية لان ذلك أضعف الإيمان بالنسبة لكل مسلم غيور.. ومع كل ذلك لا تنسو الدعاء والتضرع لله في ان يرينا في أعداء الإسلام عجائب قدرته.
إعجابLiked by 1 person
حيّاك الله شيخي ومشرفي العزيز في رسالة الدكتوراه، وأستاذنا في القانون الجنائي 🌹، أشكرك على تشريفي بمروركم وتعليقكم الكريم.
إعجابLiked by 1 person
الله المستعان..
كثرت تجاوزات هذه الألعاب مؤخراً حتى صارت تمس المعتقدات والمبادئ،فقد نخرتها الأجندة نخرا
ومع ذلك تجد انها تمر مرور الكرام بلا حسيب او رقيب!
وترى الكثير من اخوتي الشباب المسلم قد نَثَرَ المئات من الريالات على تلك الألعاب أسأل الله لنا ولهم الهداية
جزاك الله خيراً ووفقك لما يحبه ويرضاه..
إعجابLiked by 1 person
حياك الله أبا سراج وشكرا لمرورك
إعجابإعجاب