كيف تستمتع بإجازتك القصيرة جداً ؟

الحمد لله، أما بعد:

فكثيراً ما يسمع الإنسان همهمات التذمر من الناس عند سؤالهم كيف كانت إجازاتهم بعد انقضائها!، أعتقد أن جزءاً كبيراً من هذا التذمر يعود إلى غياب بعض التكتيكات المهمة لإدارة الإجازة، وبالتالي يجد الواحد نفسه ساخطا وغير راض عن انقضائها ليس لأنه يود بقائها للأبد- فهذا مستحيل-، ولكن لأنها انقضت قبل أن يشعر بتلبية حاجات نفسه. في هذه التدوينة بعض الأفكار التي تساعد على تحسين الإجازة:

الفكرة الأولى: اكتب كل رغباتك: هات صفحة بيضاء، واكتب فيها كل ما تريد فعله في الإجازة، ونعم: أقصد تماما هذا العموم في الصياغة، لا تستهن بهذه الخطوة لأنها ستخرج كثيرا من الرغبات الكامنة والمؤجلة في نفسك، والتي تنتظر الفرصة لتطل برأسها، بعد هذا العصف الذهني الممتع، قم بترتيب هذه الرغبات بحسب أولويتها! تقول لي: ماهو معيار الأولوية؟ أقول لك: معايير الأولوية تعود لك في المقام الأول، قم بترتيبها حسب شدة رغبتك فيها، أو بحسب الندم الذي سيصيبك إذا لم تقم بها، أو غير ذلك.

ما السبب خلف هذه الفكرة: السبب هو أن الإجازة لن تكفي لفعل كل ما تريد عزيزي الطالب، وبالتالي يجب عليك أن تبدأها بأهم رغباتك وأنشطتك التي تود أدائها، لأن هذا يعني تحجيم وتقليل التذمر إلى حده الأدنى، بدلا أن تكون نسبة التذمر 50% آخر الإجازة بسبب تفويت أنشطة في غاية الأهمية بالنسبة لك، فستكون 10%، وهكذا، وقد تزول النسبة تماما.

الفكرة الثانية: تقبل وجود بعض المفاجآت: يؤسفني أن أقول لك: إن دورة الحياة لن تتوقف لأجل وجود إجازة عندك، أمور مثل وجود مناسبة معينة تحضرها مُكرَهاً بسبب سخافة الحاضرين فيها، أو أن تقرر سيارتك فجأة أن تصاب بعطل، هي أمور واردة، وتوطين النفس على احتمالية وجود بعض المنغصات سيقلل من وطأتها- إذا حصلت-، وإن لم تحصل فستكون الفرحة فرحتان!، وعلى سبيل المثال: فإن متفكر يستهل إجازته الآن بشيء من السخونة والكحة ووهن الجسد 😅، والحمد لله على قضاءه وقدره، وأخيرا: إذا أردت جرعة مكثفة من هذه القضية فعليك بتدوينة: قانون المعاناة الكوني، لكنها تدوينة غير مناسبة لأجواء الإجازة👋.

الفكرة الثالثة: اقتل الجوال لكي تنقذ نفسك: الإنسان المعاصر محروم من قضية مهمة جدا، ألا وهي الخلوة بالنفس، بدون هذه الأجهزة والشبكات التي عزلتنا عن نفوسنا التي بين جنبينا وألقت بها إلى الحبس الانفرادي المؤبد، جهّز نفسك لقضاء يوم كامل أو نصف يوم بدون هذا الجوال، قد تشعر في البداية بالملل يدب إليك فتستنجد بالجوال مسرعا، ولكن أقول لك اصبر، فستجد سكينة داخلية وهدوءا واستقرارا جميلا لم تشعر به منذ زمن بعيد، ولا أبالغ إذا قلت لك إن هذه الفكرة هي أهم الأفكار في هذه القائمة، يوم واحد تقضيه بهذه الطريقة قد يوجد عندك شعورا بالامتلاء والشبع من هذه الإجازة وأنت في بدايتها، قد تقول لي ماذا أفعل خلال هذا اليوم؟ أقول لك: اصغ إلى صوتك الداخلي، ستجد ركاما كثيرا وأخلاطا تحتاج إلى فرز وترتيب ومعالجة، مجرد اكتشافك لها هو مكسب كبير وممتع في حد ذاته، يليه المكسب الكبير الثاني هو كتابة هذا الركام في ورقة أو محادثة بعض العقلاء به لعمل نوع من الصيانة الذاتية لنفسك البشرية، بالنسبة لمتفكر فإنه يطبق هذه الطريقة كثيرا (فكرة الخلوة بالنفس) ولله الحمد، ولها أثر كبير على نفسيته وأفكاره، ولها أثر جميل على الشعور بالإجمام وتغيير الأجواء التي يعيش فيها الإنسان.

الفكرة الرابعة: عُدْ إلى أصلك: يعيش معظم كبار السن من أمهاتنا وأجدادنا في فراغ ممل ومرهق، يرغبون بمجالستنا لكنهم يشاهدوننا نغدو ونروح أمامهم ونحن في عجلة دائمة من أمرنا، فيثقُل عليهم أن يأخذوا من وقتنا لا سيما مع شعورهم بأنهم عالة علينا وأنهم يمثلون عبئا كبيرا على الأسرة، من أول ما ينصح به متفكر في هذه الإجازة هو أن تخصص ليلة أو صباحية لهؤلاء، فاجئهم وأحضر لهم شيئا مما يحبون، اجلس معهم وأخبرهم بكل ما يخطر ببالك من السواليف- التي مهما كانت سخيفة فستكون مسلية لهم-، أو استمع لهم وهم يحدثونك عن زمن الطيّبين وعن ذكرياتهم الجميلة، صدقني، قد تكون هذه أفضل عبادة ستؤديها في الإجازة، ناهيك عن لذة العطاء التي ستنالها وجمالِ الشعور بالإحسان وإدخالِ الفرح عليهم، ليس كل المتعة تأتي من خرجات الشباب ومشاهدة كرة القدم، صدقني إن رؤية الفرحة والأنس على وجه عجوزتك المجعد ليملأن عليك يومك بهجة!

الفكرة الخامسة: النَّوْمة الملكية: معظم الناس لا يحظى بنوم جيد- وإن كان لا يعرف ذلك-، وحرمان النفس من النوم الجيد يترتب عليه إرهاق نفسي وآثار غير حميدة، هل تريد تجربة النومة الملكية كنشاط ترفيهي؟ افعل الآتي: لا تشرب القهوة في ذلك اليوم بدءاً من العصر، ابتعد عن جوالك وعن مشاهدة التلفاز والكمبيوتر من حين أذان المغرب، وخفف الإضاءة في غرفتك من بعد صلاة العشاء إلى أقصى حد ليتهيأ جسدك للنوم، ولا تأكل عشاءً ثقيلا- أو لا تأكل أصلاً!-، واجلس مع نفسك جلسة صفاء قبل النوم، تذكر الله فيها، وتدعو، وتصلي ركعة وتر أو ركعات، أو تفكر في اللاشيء، ثم تخلد إلى الفراش، وتقرأ أذكارك، وإلى هذا الوقت ستكون قد شعرت بشعور لم يأتك منذ زمان بعيييييد، ألا وهو النعاس اللذيذ الذي كان يداعب أجفاننا ونحن صغار، ثم ستنام بعد ذلك من الساعة التاسعة تقريبا، وستستيقظ بعدها وأنت تشعور بشعور من الشبع والاكتفاء لم تجربه منذ زمن بعيد، طبعا لكي تحظى بأفضل تجربة استيقظ باكرا ذلك اليوم حتى تتمكن من النوم المبكر في آخره.

الفكرة السادسة: استعن بالله في الترفيه: يظن بعض الناس أن الحاجة لله والاستعانة به تكون في المصائب فقط أو في طموحات الحياة الكبرى ونحو ذلك، ويغفل عن أننا نحتاج لله في كل شيء وفي كل لحظة من حياتنا، قد تفعل مئة نشاط ترفيهي ولكن لا تشعر بعدها بأي مشاعر إيجابية، وقد تقوم بعمل نشاط ترفيهي واحد فقط وتشعر في قلبك ونفسيتك بفرح يكفى لإدخال السرور على عشرة أشخاص، قلوبنا وظروفنا بيد الله، فاطلب منه أن يبارك لك إجازتك ويدبّرها لك بأحسن تدبير، واعلم أن هذه الاستعانة به سبحانه هي شيء يحبه ويرضى به عنك، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( سَلُوا اللَّهَ كُلَّ شَيءٍ حَتَّى الشِّسعَ ، فَإِنَّ اللَّهَ إِن لَمْ يُيَسِّرهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ ) وقال الألباني: إسناده جيد، والشسع هو قطعة النعل التي تكون بين الإصبعين، وبالجملة: كل ما كنت مفتقرا إلى الله في كافة أمورك كلما كنت أقرب له سبحانه، وكلما كان ذلك أدعى لتحقيق احتياجاتك.

أخيرا: وازن بين احتياجاتك ورغباتك: فلنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، وهكذا، ولا تفرط في زادك الروحي، فقد أمر الله نبيه إذا وجد فراغا بالإقبال على الله فقال: (فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب)، حتى الأنشطة الترفيهية مختلفة في أثرها على النفس وفي مردودها الإيجابي، وبالتالي فالتنويع بينها مفيد.

أخيرا: ماذا عنكم يا أصدقاء متفكر؟ هل من فكرة تشاركوني بها في كيفية قضاءكم لإجازتكم؟ وهل ترون أن الواحد يحتاج إلى شيء من التخطيط لقضاء الإجازة أم أن هذا من التعقيد الذي ليس له داع؟

رابط الانضمام لمدونة متفكر على التيليجرام: https://t.me/mutafakker


3 آراء حول “كيف تستمتع بإجازتك القصيرة جداً ؟

  1. بالنسبة لموضوع ترتيب الوقت في الاجازة….
    فإني أرى بضرورة تنظيم الوقت في كثير من الامور ولكن تنظيم الوقت المبالغ فيه فسيقتل متعة الاجازة ففي الاجازة تحتاج لوقت تفعل فيه ماتحب وتأخذ راحتك في عديد من الأمور وكذلك تحتاج لأيام لاتحدد فيها شيئا لفعله لتشعر بشعور الراحة الجميل،،،،،
    وبصراحة فإن أكثر ما أعجبني في مدونة المتفكر هي الفكرة الرابعة فإن عديد ابائنا، “خصوصاً من لايستخدمون الهواتف الذكية” فهم يشعرون بالملل دائماً فعلينا جميعاً أن نزورهم (ونحن مقصرون) ونؤدي معهم الواجب ونسعدهم فنحظى بدعوة منهم.

    Liked by 1 person

  2. لم اصدق ان اتت الاجازة لكي اتخلص من كتب التخصص
    و اعيش مع كتبي الجميله ادعو لي ان اُنهي قراءة خمس كتب على الاقل و ان الله يبارك في وقتي

    Liked by 1 person

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s