
بسم الله، خرجت في ليلة من ليالي مكة الباردة- كالليالي التي تمر بنا الآن- من بيت عمي الكبير حفظه الله، وكان ذلك في أيام المرحلة الجامعية، وعند مروري بتلك الأرض الخالية التي تقع بجوار بيته إذا بي أحس بوجود كائن لطيف يتخبّط في الظلام والبرد، أرهفت حواسي ودقّقتُ النظر، فإذا هي هرة صغيرة حديثة الولادة، كانت تموء هنا وهناك وتتحرك على غير هدى لأنها لا ترى بشكل جيد فيما بدا لي…
نظرت ذات اليمين وذات الشمال فلم أرَ أثراً للأم ولا لبقية الإخوان المفترضين واستغربت، ليس من العادة أن تترك الأم صغيرا لها بهذا الشكل… وقعتُ في هذه اللحظة في أزمة أخلاقية واستشعرت حرجا شرعيا في ترك هذا الكائن اللطيف يتدثر بالبؤس في هذه الليلة الشاتية، قد يخطو خطوات على الشارع فتدهمه سيارة، قد يبقى جائعا حتى يلفظ أنفاسه، قد…. إلخ. ولم يقع عندي شك في أني مأمور شرعاً في هذه الحالة من الله عز وجل برحمة هذا المخلوق وتدبير أمره حسب المستطاع، وقد كان…. حيث حملتها معي إلى سيارتي وبيتي- ولم تمانع الهرة إطلاقا- لتبدأ بعد ذلك مرحلة لطيفة مليئة بالذكريات الجميلة من عمر متفكر.
كإجراء أساسي واحترازي لدخول هذا الكائن المتسخ إلى بيتنا الذي يعيش وفق معايير صارمة في النظافة، كان لا بد من إدخال هذا المخلوق إلى الحمام و(ترويشه)، لسببٍ ما تكره القطط الاستحمام، وتبدو في حالة مزرية وبائسة بعد أخذ الدش تجعلك تشفق عليها عند رؤيتها، قمت بإكراه قطتي- إكراهاً مشروعاً لا مرية فيه-، وبعد الخروج بها من الحمام لففت عليها منشفة أقيها بها من البرد، وفي أثناء ذلك ومع حركتها الدؤوب التفت يدي على عنقها وأطبقت على رقبتها، وهنا كانت المفاجأة الغريبة! لقد تحولت القطة إلى وضعية السباحة! وصارت تحرك ذراعيها تحريك من يريد العوم في الماء، لا أنسى اندهاشي من هذا الموقف كأنه حصل البارحة، يبدو أن شعورها بأصابعي وهي تطوق عنقها أيقظت في أعماق أعماقها شيئا خلقه الله لا أدري ما هو، شعورا يشبه شعورنا عندما يحيط الماء بأعناقنا عند النزول في المسبح! فكأن هذا الشعور بإحاطة الشيء برقبتها حرّك فيها جينات السباحة أو سمّها ما تسمّها، من الذي علمها أن تقوم بحركة السباحة! إنها حديثة الولادة فلا تحاول إقناعي باحتمالية أن تكون أمها قد حرصت على تعليمها السباحة وهي لا تزال بعد عمياء، ونحن في شوارع مكة المليئة بالمسطحات المائية كما تعملون! المهم أني شاهدت بأم عيني استيقاظ ميكانيكية من ميكانيكيات البقاء التي أودعها الخبير سبحانه في خلقه بدون وجود سبب مادي ظاهر يعلّل ذلك.

مضت الأيام جميلة ومحمّلة بالذكريات مع هذا المخلوق القطني اللطيف، لم أكن أتصور أنه سيحتل في حياتي هذه المكانة، ومن تلك المواقف أنها بعد فترة نمو معينة بدأت تمارس سلوكا غاية في العجب، ذلك أني خرجت إلى الشرفة في يوم من الأيام لتوزيع الملابس على حبال الغسيل ريثما تجف، فلاحظت أنها كامنة في الجانب الآخر تراقب أقدامي من وراء الملابس المنشورة على حبل الغسيل، كانت تتحفز وتتمركز بآخر جسمها على وضعية التجهز للانقضاض، ثم تنطلق كالسهم باتجاه قدمي التي تلوح لها كهدف متحرك، ونفس الشيء كانت تفعله مع الكرات التي نصنعها لها من لف الجوارب على بعضها، كان الأمر بمثابة دورات تدريبية متكاملة عن فن القنص والصيد!، ومن لطفها أنها كانت تنقض على قدمي دون أن تجرحني بمخالبها! كيف تعلمت فنون الصيد ومن علمها إياها! علمت بعد ذلك أن هناك آلاف الأنظمة والآليات التي فطر الله الخلق عليها لكي تحقق لهم مصالحهم، آليات ووسائل فيها من الحكمة والإبداع والجمال ما يجعلك تتساءل عن الإرادة العليا التي خلقت كل هذا!

استمرت ضيافة هذه القطة عندنا منذ أن كانت بحجم قبضة اليد حتى صارت بحجم كلب، ثم صدرت أوامر عليا بإخراجها من البيت- لأسباب كثيرة يعرفها من جرّب تربية القطط في المنازل-، وظلت فترة طويلة رابضة حول البيت، فكنت إذا خرجت أحيانا من البيت أناديها باسمها، أو أصفّر لها فتعدو إليّ ملقية نفسها في حجري لتنال شيئا من دلال الماضي، على كل حال يا قطتي، أتمنى أن ألقاك يوم القيامة، وأن أتكلم معك بلغة يفهمها كلانا، والله على كل شيء قدير…، (لرؤية بعض أمنياتي من الجنة توجه إلى تدوينة: أفي الجنة (كاتشب) ؟
ختاما: لطالما كنت أعتقد أن لكل مؤمن بالله عز وجل قصة خاصة عن براهين إيمانه بهذا الخالق العظيم، قصة تستمد فصولها من تجاربنا الشخصية وتفكراتنا وتأملاتنا فيما حولنا، قد يكون موقفا رهيبا نجوت منه فجأة!، وقد يكون مصادفة عجيبة لكنك تؤمن بقلبك أنه قدر مكتوب وليس مجرد مصادفة، وقد تكون دعوة مستجابة!. والآن سأنقل لكم الميكروفون يا أصدقاء متفكر وأسألكم: هل مرت بكم مواقف شخصية أثبتت لكم أنه لا بد من وجود خالق لهذه الحياة وأنه يستحيل أن تكون كل هذه الأحداث قد صارت بدون مدبّر يدبرها؟
رابط الانضمام لمدونة متفكر على التيليجرام: https://t.me/mutafakker
في يوم من ايام الاسبوع الدراسي الاول من هذا الترم كان الجو باردا جدا بروده لا تحتمل حتى اشعه الشمس لم تكن كافيه لتدفئني من بروده جو ذاك اليوم وكنت امشي فالساحه الخارجيه للجامعه ورأيت قطه نائمه بكل هدوء عند الشجر وذهبت اليها لألاعبها قليلا واذا بها تاتي الي كمن وجد ملجأ بعد بحث طويل وكنت سعيده جدا لانني احسست كمن استطاع ان يأوي مخلوقا لا حيله له ولا قوه كأن الله ارسلني له تلك اللحظه وكنت في حيره من امري ففي العاده لا يأتون هكذا بهذه الطريقه وعندما جلست في مقعد قريب منها همت الي ونامت في حجري وقد كانت ترتعش وعلمت انها كانت تشعر بالبرد مثلي واحتضنتها حتى شعرت بالدفئ الى ان جاء موعد رحيلي وقد اضطررت الى تركها حتى اعود وكان اصعب فراق 💔
إعجابإعجاب
هنيئا لكل من تمكن من فعل قربة كهذه ولو مرة في العمر ( الراحمون يرحمهم الرحمن)
إعجابإعجاب