اتفاقية وفضفضة بين متفكر وأصدقاء المدونة

بسم الله، منذ افتتحت المدونة وفي قلبي كلام حبيس أحتاج إلى إخراجه لكم أيها الأحبة، إلا أني كنت أؤخره من فترة إلى أخرى، أحياناً محتجاً بأن عدد القراء قليل وأني سأقوله إذا كثروا، وتارةً شاكّاً في مدى الحاجة إلى بث مثل هذه اللواعج، أو أن سلبياتها أكثر من إيجابياتها، إلا أني قررت حسم أمري أخيرا ومكاشفتكم به حتى يرتاح ضميري بشكل أفضل، ولقد ذكرت سابقا في تدوينة: من أنا أني إنسان يتنفس الصراحة والوضوح ولا يستطيع العيش من دونهما، أحب الوضوح من نفسي تجاه الآخرين، ومن الآخرين تجاه نفسي، بحيث ينظر كل طرف إلى الآخر بوضوح ودون شوائب..

حسنا، لقد واجهتني مشكلة منذ بدأت بالكتابة لكم…

ألا وهي أن بعض الناس قد يقرؤون هذه التدوينات المبثوثة في الموقع فتتكوّن عندهم صورة عن كاتبها ليست حقيقية، صورة مثالية، رائعة، حالمة، لأنهم إنما يستقونها من هذه الأسطر التي يُخرِج فيها أروع ما عنده!

هل يلزم إذا سمعتَ صوتاً جميلاً أن يكون صاحبه جميلاً على سبيل المثال؟

هل يلزم إذا أكلتَ طبخة لذيذة أن تكون طابختها تمارس الرياضة وتعتني بصحتها؟

هل يلزم إذا تفكر أحد في جوانب عظمةِ هذه الشريعة وعمقِ هذه الحياة وصاغ ذلك بعبارات بليغة أن يكون محسنا في جوانب حياته الأخرى، كلا وألف كلا! والذي يؤلمني أن كثيرا من الناس لا يفقه ذلك…

أصدقاء متفكر: قد أكتب متفكراً عن محاسن السواك في الشريعة وماورد في فضله من نصوص جاوزت المئة كما يقول الإمام ابن الملقن رحمه الله لكني مقصر في السواك في خاصة نفسي! فلا علاقة لي إذاً بأوهام الناس ومعاييرهم الشخصية التي يضعونها في عقولهم لكل من يصنفونه كطالب علم أو داعية!

لقد أمَرَ الله كل واحد منا بأن يسعى في إصلاح نفسه ويسعى في إصلاح غيره فقال: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)، وليس التفريط في أحد القسمين بمسوِّغ للتفريط في القسم الآخر كما يقول العلامة بن سعدي رحمه الله.

لكأن الناس يشترطون على من يريد التشرف بالدعوة إلى الله أن ينسلخ من بشريته ويتحول إلى ملاك يرفرف بأجنحته معصوم عن الوقوع في أي زلة، وذلك مخالف للنصوص الشرعية التي لم تستثن أحدا من حتمية الوقوع في الذنوب بمن فيهم الدعاة وطلبة العلم، وعندما وصف الله المتقين في آل عمران قال (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) فانظر كيف أتى ب(إذا) التي تدل على ما يتوقع وقوعه، وأشار إلى احتمالية وقوعهم في الكبائر أيضا وليس الصغائر، غير أن هذه الفئة من الناس تفترق عن غيرها بسرعة التوبة وعدم الإصرار على الذنب، وبهذا تفارق سائر الناس، هؤلاء المتقون، فكيف بمن هو دونهم، بل إنك لو تأملت في نصوص الثواب الذي يوعد به المتقون فستجد (المغفرة) في صدارة تلك الجوائز الأخروية!

قد أكتب تدوينة عن موضوع ما لأني أريد التكفير عن ذنب عملته، من باب إتباع السيئة الحسنة…

وقد أكتب تدوينة عن موضوع أشعر فيه بقصور كبير فأقوم بتشجيع نفسي وحثها عن طريق كتابة هذه التدوينة لأن الإنسان ينشط بالمشاركة الاجتماعية.. ونعم، قد أكتب تدوينة في قضية لأني جيّد في امتثالها.. لكني في كل الأحوال أريد من القارئ أن ينظر إلى المضمون دون كاتبه فإن كان حسنا أمضاه وإن كان غير ذلك رده.

نعم، صحيح أن الإنسان مأمور شرعا أن يطابق عملُه قولَه قدر المستطاع، وأن لا يأمر الناس بالبر وينسى نفسه، غير أن تفريطه في شيء لا يعني ترك الدعوة إلى الدين لأنه مأمور بكلا الأمرين كما بيّنتُ ذلك، كما أن هناك تفاصيل وفروقا كثيرا بين ما يجب وما يستحب، وما يحرم وما يكره، وما يقع فيه الإنسان رغم مجاهدته لنفسه وما يقع فيه استخفافا…إلخ…

لطالما أبغضت من أعماق قلبي هذه الضرائب الظالمة التي يفرضها المجتمع على كل من قد يمتثل لبعض شعائر الدين الظاهرة التي ينتشر الإخلال بها من البقية.

تخيل أن يُقال لك (على سبيل المثال): إذا أردت أن تتجنب الغيبة، أو تترك الكذب، أوتعفي لحيتك فلا بأس، ولكن على شرط أن تلتزم بكلللللل الفضائل الأخرى وتترك كلللللل الرذائل الأخرى البالغ عددها المئات!، وإلا فسنقوم بانتقادك وتسليط المجهر على أخطائك انتقاما منك! لأنك خالفت جماعتنا وتميزت عنا بتجنبك للخصال الثلاثة الأولى وصرت تشعرنا كلما رأيناك بأنك أفضل منا!

أصدقاء متفكر: قد يمر أحدكم بجانبي في الخط السريع فيلحظ أني أقود بخراقة لانشغالي بالجوال، أو يحتك بي في موقف عصيب فيجدني أخرج عن طوري وتنتفخ أوداجي وأكاد أن أضربه، وقد وقد، فلا يحرمنّي أحد من حقوقي البشرية لمجرد أني أكتب في مواضيع شرعية، الشيء الوحيد الذي أتعهد به إن شاء الله هو أني مقتنع بما أكتب من تدوينات، وأني حريص في خاصة نفسي على العمل بها ما استطعت ولست مستخفا بذلك.

الخلاصة يا أصدقائي: سأظل أكتب بإذن الله ما قد ينفع أحدا من الناس ويضيء له حياته ويكون ذخرا لي يوم القيامة، مع استمراري في محاولة تحسين حياتي، رغم وجود صفات بغيضة في نفسي، ورغم وجود ذنوب أحاول تفاديها لكني ما زلت أخفق، ذروني أكتب مع كل ذلك ولنتفق على ذلك.

مشكلة لا حل لها: سيقرأ بعض المحبّين كلام متفكر في الأعلى فيزدادَ إعجابهم به ويقولوا: انظروا إليه ما أشد تواضعه! لعله كتب هذا تربيةً لنفسه، فلهؤلاء ليس لهم حل!

ختاما: أعلمُ أن أصل هذا الموضوع معقد إلى حد ما، وربما شعر بعضكم بالحيرة والتضارب، فلذلك سألخص كل ما سبق بسطر واحد، ألا وهو أني أريد إخباركم برغبتي في التدوين عن هذا الدين الرائع الجميل رغم وجود كثير من التفريط عندي! وبس.

ما رأيكم بما كتبت يا أصدقاء متفكر؟ وهل اتفقنا على أن أكتب ما أريد دون أن أخشى من ربط الناس بين تدويناتي وبين بقية جوانب حياتي الأخرى؟ لكم كل الحب🌹

رابط الانضمام لمدونة متفكر على التيليجرام: https://t.me/mutafakker


11 رأيا حول “اتفاقية وفضفضة بين متفكر وأصدقاء المدونة

  1. لا فض فوك استمر بالنشر … وفعلاً بمجرد إبداء النصيحة تنهال عليك انتقادات “أنت لست ملتزم” وكأنها آلية دفاع عن مايقومون به من ذنوب.
    هدانا الله وإياكم سواء السبيل

    Liked by 1 person

  2. جزاكم الله خيرا يا أخي عبدالله
    كم لكلماتك وكتاباتك من أثر في قلبي منذ سنوات طويلة — دون النظر لشخصكم الكريم – (:

    استمر استمر استمر

    وأما لا يكتب إلا ممتثل فهذا طلب للمستحيل

    لكن نحن جبلنا على حب الجميل – وأنت جميل – بأخلاقك وكتاباتك
    وننظر له بعين تختلف عن باقي الناس وهذا وإن كان خطأ في مواضع فهو محمود في أخرى

    Liked by 1 person

  3. فعلا انه لموضوعٌ معقد ان تحاول نصح احدهم فيأتيك من يهاجمك بـ انت تفعل وتقول والخ
    ولكن تدويناتك رائعة يا استاذنا الكريم بغض النظر عن شخصك وعن ما انت عليه
    مادمت بتدويناتك تلامس احاسيس جميلة فينا فنرجوا منك الاستمرار دائمًا

    Liked by 1 person

  4. بسم الله الرحمن الرحيم
    للتو طالعت المدونة وتمنعت بها فوجدت نفسي علاوة على الإعجاب بتلك المدونة أغبطكم على الدقة في إنتقاء المفردات والإتيان بها في مواطنها مما أضفى على المدونة مصداقية وجمالًا
    ثم أنه لا يخفى عليكم ومتابعكيم أن التباين في الفهم والإدراك لدى شرائح المجتمع ومكوناته تختلف بإختلاف المعارف ومن الصعب جدًا أن نتوافق في الرأي وإصدار الأحكام إلا إذا تدثرنا بدثار الممالئة والموافقة المخادعة
    أفراد المجتمع يتأثرون بما تصلهم من رسائل متعددة ومن مصادر متعددة منها ماهو رسمي ومنها ماهو مجتمعي
    لذا فمن الطبيعي عند شريحة واسعة من أطياف المجتمع سيربط بين الناقل والمنقول والكاتب والمكتوب فلو وجد أن منهج الكاتب مخالف لماكتب سيدخل عليه من باب الرياء والنفاق وكأنما أنه يجب على الكاتب أن يكون ملاكًا
    الثقة في النفس والقناعة بما تحمل من أفكار ليس بالضرورة أن تجد لها صدى لدى الآخرين إذ يكفي أنك تبحث عن الحقيقة من مصادرها المعلومة لدى القارئ المتعقل
    ولا يمكن لأي كائن أن يخلو من الأخطاء والتي يمكن أن تكون سببًا في الثبات على الحق والبحث عن الصواب
    الكمال لله وحده لذا يجب علينا عدم التوقف إرضاء لأهواء الآخرين
    دعواتي لكم بالتوفيق والسداد وتقبلوا تحياتي

    Liked by 1 person

    1. حياك الله سعادة العميد والصديق العزيز للوالد رحمه الله، كلامكم وجيه وعميق أيضا ما شاء الله. وأوافقكم أن وجود تناقض كبير بين الكاتب وما يكتبه يدعو إلى التشكيك فيه أو القدح، وهذا طبيعي، فلذلك قلت في التدوينة أن القصور الموجود عندي ليس صادرا عن استخفاف، وإنما هو ضعفي البشري. أشكر لك توجيهاتك لي في آخر كلامك النفيس وجزاك الله خيرا 🌹

      إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s