رجل يطلب المساواة

بسم الله، انتقل مع والديه من المجتمع الغربي المتقدم الذي ينتمون إليه إلى ذلك المجتمع (الشرقي) لأجل فرصة عمل لا تعوض، وفي ظلال هؤلاء الشرقيين ترعرع…

منذ نعومة أظفاره؛ لاحظ شيئا غريبا عندهم، إنهم ينقضون أسس المساواة بين الجنسين في نفوس أولادهم منذ الصغر!، كانوا يلقِّنون صبيانهم في بناء علاقاتهم أن أَوْلى الناس بهم وبعنايتهم هي المرأة التي أنجبتهم! وهي الأم، وفي قرآنهم كلام حافل ومتنوع في تصوير معاناتها خلال ثلاثين شهرا تنتقل فيها من كره إلى كره (حملته كُرْها ووضعته كُرْها)، وفوق ذلك عندهم حديث صريح في أن رجلا سأل نبيهم عن أَوْلى الناس مُطلَقا بحسن العشرة فأجابه بأنها الأم، ثم الأم، ثم الأم، ثم الأب، فأين المساواة بين الرجل والمرأة! معنى هذا أنه من حين ينشأ الطفل تكون أمه هي أعظم نقطة في رادار أولوياته طيلة عمره، وكان هذا أول ما أثار حفيظته! لقد تم تقسيم كعكة البر بين الأبوين بنسبة ثلاثة أرباع إلى ربع! معنى هذا أن الأب خاسر سلفا في أي سباق يمكن أن يتنافس به مع الأم، فهي نتيجة محسومة عندهم منذ 1400 سنة! هذه الأشياء التي يسمونها الحنان والعطف والرعاية! لماذا يبالغون في شأنها؟، لماذا يقدِّسون ما يسمى الأمومة! هلّا اخترعوا لنا حبوبا أو شيئا من هذا القبيل يبتلعه الطفل فيتحصَّل له هذا الحنان حتى نرتاح من هذا الابتزاز العاطفي والتقديس للأم!

ولم تكن هذه التفرقة هي الوحيدة التي أثارت غيظ صاحبنا، فقد لفت انتباهه أثناء عيشه بين هؤلاء القوم أنه حتى في منازعاتهم القضائية؛ إذا اختصم الزوجان على حضانة الأطفال، فقضاؤهم يجعل القاعدة الأصلية أن الأم تقدم على الأب، استدلالا بقضاء نبيهم عليه السلام، فأين المساواة! وكم أثار غيظه ذلك الأثر الذي يحكي قضاء خليفتهم الأول-أبو بكر- بأولوية امرأة بحضانة ابنها من طليقها عمر- خليفتهم الثاني-، حيث قال له الخليفة في تعليل قضاءه: “ريحها وشمها ولطفها خير له منك” مع أن نفس الرجل الأول قام عند موته باستخلاف الرجل الثاني على خلافة الأمة آنذاك، فعُمَر كان في نظر أبي بكر رجلا قادرا على ولاية الأمة لكنه غير قادر على منافسة تلك الأم في هذا المضمار!

ثم إنه قد لاحظ شيئا آخر!، أن واجب النفقة مفروض على الرجل في هذا المجتمع ولو كانت الزوجة بثراء إيلون ماسك، وبالتالي يتوجب عليه دوما البحث عن عمل مهما يكن خلاف رغبته ومزاجه!، هذا الشيء كان يجعله يشدّ شعره من الغيظ! إنه يكدح كدح العبيد طيلة الشهر، وما إن يقطِف راتبه حتى تتنازع عليه تلك الوحوش المفترسة!، وحش الإيجار، ووحش الأقساط، ووحش الفواتير، ووحش الالتزامات الاجتماعية، فلا يتبقى له إلا الفتات؛ أما هي، فتصرف راتبها على تجربة القهوة المقطرة في الكافيهات وعلى اقتناء الإصدار السنوي من الآيفون، فأين المساواة! تناقش مع بعضهم في هذا فأجابوه بأنه يُشرَع للمرأة أن تساعد زوجها لكنها ليست ملزمة بذلك شرعاً، فزاد غيظه!

حاول أن يتكيّف مع فرض النفقة عليه بإخبار نفسه أن هذه النفقة هي مقابل السلطة التي يتمتع بها في قيادة الأسرة، لكنه فوجئ بتكلفة لم يكن يتوقعها أبداً من وراء هذه السلطة، وذلك حين سمعهم يروون حديثا عن نبيهم عليه السلام يقول فيه: “ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرَّم الله عليه الجنة“! كان يتوقعها سلطة مطلقة!، إذاً هذه السلطة التي أراد إفراح نفسه بها! فأي متعة فيها إذا كانت هذه عاقبتها حين التفريط فيها!

كتب بعد ذلك في مذكراته يقول: “بصراحة لو كنت مكان رجالهم إذاً لأوكلت القوامة إلى الزوجة واشتريت راحة دماغي كما يقال، خذي السلطة بتبعاتها وضريبتها الباهظة أيتها الحمقاء ودعيني أتفرغ لحياتي الشخصية وممارسة هواياتي دون أن مكلَّفا بوقايتك ووقاية أولادك من النار كما يقول قرآنكم (قوا أنفسكم وأهليكم نارا)…

وفي الوقت الذي تلقَّى فيها صاحبنا من الغرب أن معيار نجاح الفرد هو مدى التقدم الذي يحققه في دراسته ووظيفته وعلاقاته عموما؛ إذا به يتفاجأ بأن نبي هؤلاء القوم قد وضع لهم معيارا للنجاح لم يعجبه أبدا، ألا وهو ربط خيرية الرجل بمدى بذله وعنايته بزوجته وأسرته، وذلك في حديث ” خيرُكم خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكم لأهلي”، فلو كان المسلم عندهم ناجحا في كل شيء إلا علاقته بأهله فهو فاشل! ماهذه المقاييس! ولماذا تتمحور الحياة حول الأنثى بهذا الشكل؟

المهم أن صاحبنا قد بدأ بعد ذلك يتكيّف مع هذا التمييز العنصري ضد الرجل! دوما هناك حزمة من التخفيضات والرخص الشرعية التي تختص بها المرأة عندهم دون الرجل، فلها أعذار في ترك فريضة الصلاة وفريضة الصيام وفريضة الحج- وهي أركان أساسية في دينهم- لا يستطيع الرجل أن يستفيد منها، وحتى في تفاصيلها وثناياها يجد ذلك مبثوثا، ففي ليلة المبيت بمزدلفة- وهي ليلة صعبة عندهم بسبب ضيق المكان وعدم وجود أماكن مجهزة فيها- يلتزم الرجال بالمبيت إلى طلوع الفجر أما النساء فيجوز لهن الدفع منها بمجرد حلول منتصف الليل!

نقول إنه كان قد بدأ يتكيّف حتى استيقظت في نفسه صدمة التمييز العنصري مرة أخرى عندما كان منتظراً في سيارته، وكان ثمة درس في أحد المساجد يذاع عبر المكبرات، كان الدرس عن صلح يسمونه صلح الحديبية، المهم أنهم يذكرون أن بنود الصلح تضمَّنت-فيما تضمَّنت- أن من خرج مسلما من قريش ليلتحق بالمدينة فإن المسلمين بالمدينة يلتزمون بإعادته إلى قريش مهما كان، وكان شرطا في غاية الإيلام والصعوبة على المسلمين، ثم حصلت بعد ذلك الصدمة!

لا زال يتذكر جلسته في السيارة وسيجارته التي لم يبق بها إلا نَفَس أو نَفَسان حتى يرميها، حين سمع الإمام يقول أن الله قد أنزل وحيا يُتلى يستثني به من بنود العهد أي امرأة مسلمة صادقة في إيمانها، (فإن علمتوهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار) في هذه اللحظة جن جنون الرجل، لقد بدأت جينات المساواة المتوارثة في دمه تصرخ وتصرخ وتصرخ! كان قد شعر بأن الطوق على وشك الإنكسار وأنه لن يقبل بالعيش في ظل هذا المجتمع العنصري وإن أدى ذلك لضياع الامتيازات المالية التي جنوها من هنا!

كان يحاول أن يطرح بعض هذه الأفكار على الناس ليطالبهم بتغيير الوضع فلا يجد آذانا صاغية، حتى مسألة الجهاد طرحها على بعض الشباب قائلاً: لماذا عندما تدق طبول الحرب يجب عليكم الذهاب إلى المواضع التي تتمزَّق فيها الأشلاء وتتقطَّع فيها الأطرف ويتجسَّد فيها الموت بلونه ورائحته وطعمه، بينما يمكثن هن في البيوت! فنظروا له بعدم اكتراث وعادوا يتناقشون في نتائج الدوري الأوروبي وموسم الانتقالات بين الأندية، أحدهم قال له وهو ينظر إليه بشفقة: كريس، نحن لا نستخدم لفظ المساواة هذا، وليس في نصوصنا الشرعية تركيز عليه، لأنه مصطلح معيب ويعاني من تشوهات كثيرة، نحن نؤمن بالعدل، وأن الله قد ساوى بيننا فيما تقتضي حكمته المساواة فيه، ومعظم الأحكام الشرعية من هذا القبيل، وأن الله قد فرَّق بيننا فيما تقتضي الحكمة التفرقة فيه، مثل الاستثناءات التي أثارت حفيظتك، وفي كل الأحوال فقد أعطى الله كل ذي حق حقه، وفي النهاية نحن عبيد له مسلّمون لأمره ونفتخر بذلك!

استغرب كريس من هذا الإيمان الذي وجده عند عوامّهم!، وبينما هو يتسكع ذات يوم على قارعة الانترنت إذ به يجد موقعا لشخص يصف نفسه بأنه (متفكر) في الكتاب والسنة، ففرح وقال في نفسه: أخيرا وجدت شخصا مستعداً لإعمال فكره وعقله في هذه المسألة المعضلة، فسأرسل له قصتي وأطلب منه جوابا فصلا فيما أعانيه، وإليكم ما أجابه متفكر:

مرحبا كريس! في حين أن ظاهر قصتك أنك شخص يحتاج إلى حجج عقلية ومنطقية لإقناعه؛ إلا أني أعتقد أن الحقيقة ليست كذلك!، أنت مصاب بداء الحسد للأسف، وترفض تقبل وجود خصائص تمتاز بها الأنثى على الذكر، ويترتب عليها فروق في بعض الأحكام وليس كلها! بالنسبة لنا كمسلمين؛ فقد حسم الله المقارنة بين الجنسين في كتابه بآية واحدة تقتلع نظرية المساواة من جذورها، ألا وهي قول الحق جل جلاله: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن) فليس لأحد أن يحسد الآخر على مميزاته.

أَعلمُ يا كريس أنك كنت تنتظر مني جوابا تفصيليا على كل أوجه المقارنة التي أرسلتها، وتتوقع مني أن أحاول إقناعك بأسباب كل واحد، لكن يجب أن تعلم أن كثيراً من هذه العلل اجتهادي عند الفقهاء وليس منصوصا عليه في الشريعة! لذلك لن أجهد نفسي بمحاولة شرحها لك؛ لأن عقلك البشري المتحيّز خلف المساواة سيظل يماحل ويراوغ و (يستعبط) مع كل علة أوردها، لا سيما أني مقتنع بأن القضية قضية حسد في جوهرها النقي، ولكني أرجو أن تكون قد عرفت على الأقل سببا واحدا من الأسباب التي تفسر كون النسبة الأكبر من الداخلين في الإسلام من الغرب هم النساء! ربما كان بعضهن يهربن من جحيم المساواة الظالمة التي اخترعتموها للبشرية إلى دين يحترم ويقدّر نقاط قوتهن، ويرحم ويمسح على نقاط ضعفهن. تحياتي لك، أتمنى لك الإسلام، فإن لم تسلم، فسيسلم على الأقل بناتك ونساؤك!

ختاما: ما رأيكم يا أصدقاء و (صديقات) المدونة في كريس الحسود؟

رابط الانضمام لمدونة متفكر على التيليجرام: https://t.me/mutafakker


8 آراء حول “رجل يطلب المساواة

  1. اولًا مساء الخير يامتفكر ولكل اصدقاء وصديقات متفكر ، ثانيًا العلم في الصغر كالنقش على الحجر وماتعلمه كريس في مُجتمعه الغربي المحدود الفكر لن يتغير بسهولة او لن يتغير اطلاقًا مع ذلك ليس مستحيلًا ان يتغير فكره المحدود ، ندعوا الله ان يهديه ويرشده الى سراطنا المستقيم لأننا لا نهدي من نحب وان اردنا ذلك من عُمق قلوبنا واسأل الله له ان يجد ضالته ويتفتح تفكيره المحدود الى تفكير سليم وسويّ ، ومن ناحية نساء المُجتمع الغربي فهُن فعلًا يُعانين من ظلمٍ مأساوي في حقهن فنجد لديهم ان الام تقوم بدور الاب ايضًا في ظل وجود الاب وهذا قمة الظلم للأسف وكثير من القضايا المُحزنة حقوق النساء فيها ضائعة ، ختامًا اجازه ممتعة لمتفكر واصدقائه وصديقاته 🤍

    إعجاب

    1. المرأة مظلومة بصورتين.
      الحرية الزائدة.
      التشدد الزائد.
      إذا الظلم وقع منها فالله يفتح دماغها تستوعب.
      إذا وقع الظلم من الرجل فالله ينتقم.
      لكن سالفة ان نساء الغرب مظلومات كأننا نحن اللي بالجنة هبالة.
      لا يجلس الإنسان يتعامى.
      ولو بالفعل الناس ماشية بالدين لا بينظلم لا رجل ولا مرأة.

      إعجاب

  2. أغلب ما ذكر باسم الدين والحقوق إنما هيا أعراف وضعها الذكور على مر التاريخ العربي سلب المرأة تحمل المسؤولية وحريتها، واسقط الحمل على الرجل باسم الغيرة الهبلة، والغلو مفسد ،، وفي المقابل اضطهدت المرأة في الغرب بتحمل كامل المسؤولية، وصار الرجل بلى داعي الا من رحم ربي وايقضهم الضمير.

    Liked by 1 person

أضف تعليق