هل الزنا شنيع إلى ذلك الحد!

بسم الله، تكاد الفاحشة- مع كثرة الطرْق لها وتضمينها في كثير من المنتجات الترفيهية كالأفلام والمسلسلات ونحوها مما يحتك به شبابنا يومياً- تتحول في نفوس بعضهم إلى (مجرّد) فعل خاطئ يجب تجنّبه، دون عشرات الأسوار الإيمانية التي أقامتها الشريعة دونها! إنهم يجعلون إقامة البطل للعلاقات الجنسية أو الغرامية جزءاً لا يتجزأ من حياته الطبيعية! هو يأكل ويشرب ويقاوم الأشرار ويفعل الفحشاء وينام وهكذا…، في خلطة لا بد لها عندهم من أجل تسويق وترويج نتاجهم. حتى إني لأكاد أسمع في نفوس بعض الشباب تساؤلا خفيفا كدبيب النمل يقول- بعد أن تبلّد قلبه-: هل الزنا شنيع إلى ذلك الحد؟

في زمننا الحالي نعيش مشكلة جوهرية؛ فلقد كان إلف المعصية واعتيادها في السابق يكاد يكون محصورا فيما يخالطه الإنسان من المنكرات السائدة في مجتمعه الخاص به، أما الآن فقد يخالط الإنسان أفراد المجتمعات الافتراضية أكثر من المخالطة الجسمانية المادية لأفراد مجتمعه، وهذا مؤذن بانسكاب مختلف أنواع القذارات في فكره وقلبه، وفي أمثال أهل مكة ولهجتهم: (كثرة الدقّ تفكّ اللّحام).

وفي خضم الإنشغال بمدافعة الشذوذ، فإن مدافعة الزنا قد تضعف وتتوارى في الخلف قليلا، فتحتاج إلى بعث جديد.

حسنا، لن أتكلم هنا عن المفاسد العظيمة لفاحشة الزنا، وإنما أريد مشاركتم ببعض الآيات والأحكام عن هذه الموبقة العظيمة التي استعجبت منها وأنا أتأمل في بداية سورة النور وأتأمل كيف تعامل الله مع هذه الفاحشة؟ فهيا بنا إلى ما استعجبت منه:

الأعجوبة الأولى: أن العظيم سبحانه نصّ على حكم هذه الفِعلة في كتابه، بخلاف عشرات من الجرائم التي تَركَ بابَ الاجتهاد فيها مفتوحا (وهو ما يسمى بالتعازير في الفقه)، وهذا التنصيص منه سبحانه ثم من رسوله صلى الله عليه وسلم جعلها عقوبة محصّنة من الإلغاء أو التلاعب، وانظر كيف يقول في مطلع السورة: (سورة أنزلناها وفرضناها) فمهما تعاقبت أجيال المسلمين، ومهما دار الزمان والمكان، وعلى أي نحو تشكّلا، فهو فعل مجرم قبيح دنس، وواجب المجتمع الإسلامي تجاه فاعله هو ما ذكره الله في هذه السورة العزيزة، وفي الحديث (ما من أحد أغير من الله من أن يزني عبده أو تزني أمته)، فهي جريمة خالدة.

الأعجوبة الثانية: أنك تجد الرب الذي سمى نفسه الرؤوف الرحيم سبحانه، الذي هو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، يحرِّم عليك أن تأخذك بالزناة الرحمة فتعيقك عن تطبيق شرع الله عليهما! ( ولا تأخذكم بها رأفة في دين الله)، ثم هو لا يكتفي بالنهي، بل يعلّق ذلك على الإيمان به وباليوم الآخر: (رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون)، ف”الإيمان موجِب لانتفاء هذه الرحمة المانعة من إقامة أمر الله” كما يقول ابن سعدي رحمه الله.

الأعجوبة الثالثة: أنك تجد الستّير الذي يأمرنا بالستر على عباده يستثني هذه الجريمة، فيـأمرنا بأن نعاقب فاعليها علانية على مشهد من الناس، (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين)، حتى تسميته الجلد بالعذاب، يشير إلى مقدار شناعة هذه الفعلة عند الله، نسأل الله العافية.

الأعجوبة الرابعة: ثم تأتيك حقيقة شرعية أخرى في غاية العجب، ألا وهي الإخبار عن أن فاعل هذه الفعلة الشنيعة لا يقترن بشريكة حياة إلا زانية مثله أو كافرة، وأن فاعلة هذه الفعلة البشعة لا تقترن في حياتها إلا بزان أو مشرك، فأي أسلوب يفوق هذا الأسلوب في التنفير من الزنا والإبعاد عنه، ثم تأتيك خاتمة الآية (وحرِّم ذلك على المؤمنين) فتُباعِدُ الآية بين جماعة المؤمنين وتضعهم في منطقة أخرى منقطعة عن المنطقة الأولى منطقة الزناة والمشركين، والله إنه لأسلوب مهول يفلق قلب كل من أحب المؤمنين ووالاهم!

الأعجوبة الخامسة: أنك إذا قلت لأخيك المسلم: يا قاتل، أو يا سارق، أو غير ذلك؛ فإن عقوبتك مفوّضة للقاضي الشرعي يجتهد في اختيارها، أما لو قلت: يا زان، وليس لك على هذا بيّنة؛ فهذه جريمة من جرائم الحدود التي قدّر الشارع عقوبتها ب80 جلدة، غير قابلة للعفو من ولي الأمر، غير قابلة للاجتهاد من القاضي، يا سبحان الله! ألهذه الدرجة من الشناعة يبلغ هذا الفعل بحيث يعدّ الرمي به جريمة مستقلة لها أحكامها!

الأعجوبة السادسة: أن من رمى غيره بالزنا فإن توابعَ فعله غيرُ محصورة في العقوبة الأصلية، أعني عقوبةَ الجلد، بل إنه يصير فاسقاً عند المسلمين، وهذا الوصف ثقيل جدا على ذوي القلوب الحية، وبعد تفسيقه فإن شهادته على الحقوق وفي المحاكم تصبح شهادة مردودة لا اعتبار بها في إثبات الحقائق ورد الحقوق!

الأعجوبة السابعة: نظام الملاعنة، فإن الرجل عندما يرمي زوجه بالزنا ويشهد عليها أربع شهادات بذلك، فإنه يختمها بأن يلعن نفسه حالة كونه كاذبا عليها، فإن رفضت الزوجة تهمته فإنها تدافع عن نفسها بأن تشهد أربع شهادات بكذبه، ثم تختم ذلك بأن تدعو على نفسها بغضب الله عليها إن كان من الصادقين، والله إن قلب المؤمن ليرجف عندما يقرأ هذه الأفعال فكيف بمشاهدتها على أرض الواقع! وأي خسارة بعد اللعن والغضب! فيا سبحان الله! ألهذه الدرجة تبلغ شناعة الفعل الذي يرمى به هذا الملاعن زوجته! اللهم سترك وعفوك.

الأعجوبة الثامنة: أن الله توعد مجرد محبة شيوعها في المجتمع المسلم بعذاب أليم، ليس فقط في الدنيا وليس فقط في الآخرة، بل في كليهما، ولو لم يترتب على تلك المحبة أي تخطيط أو فعل على أرض الواقع! يا رباه، ألهذه الدرجة يكون هذا الفعل مسخوطا عندك يا ألله، ثم تأتي خاتمة الآية لتبث الرهبة في قلب كل قارئ (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) فهو يعلم ما في قلوب الجميع؛ سواء أظهروا ذلك أم أخفوه، بخلافنا نحن البشر الجاهلين.

الأعجوبة التاسعة والأخيرة: أن السورة لم تكتف بما سبق في النهر عن الزنا والإبعاد عنه، بل أتْبَعتْ ذلك بسلسلة من الأحكام والإجراءات التي تصب كلها في النهاية ضمن محصِّلة منع وقوع هذه الفاحشة، بدءاً من أمر المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار، ومرورا بالأمر بستر المظهر الخارجي للمرأة، وانتهاءاً بالأمر بالتزويج وعدم الالتفات لعوائق الناس مثل الفقر ونحوه، وكل ما سبق من تنظيم محكم يستحيل أن تجد شيئا قريبا منه في أي قانون وضعي أو حضارة أخرى، ولا عجب، فهذا صنع الرب العالم بخلقه، وتلك القوانين من صنع البشر.

أيها المتفكرون، دعونا نحافظ على استعظام قلوبنا لهذه الكبائر، فإن هذا من تحكيم الشرع على دواخلنا، وأعيذ نفسي وإياكم بالله أن ينظر سبحانه إلى قلوبنا فيجد فيها تهوينا أو تقليلا، وأما من وقع؛ فإن باب التوبة مفتوح ولله الحمد، والسلام.

ختاما: ماذا عنكم يا أصدقاء متفكر، وهل تشاركوني الرأي في خطورة تطبيع الفاحشة الناشئ من تعرضنا للمنتجات الغربية؟


6 آراء حول “هل الزنا شنيع إلى ذلك الحد!

  1. مما لا شك فيه أن الزنا من كبائر الذنوب بنص القرآن والسنة والعواقب كما ذكرت في المقال أعلاه لا يمكن التقليل منها
    لكن المشكلة كما ذكرت أنه الزنا اليوم أصبح متيسرًا لأسباب متعددة يأتي في مقدمتها وسائل التواصل الاجتماعي المنتشرة والتي استطاعت تجاوز جميع الأسوار والحدود كما أن رقابة الدولة لم تعد تستطع السيطرة على تلك المواقع التي تزخر بجميع أصناف الموبقات والمحرمات
    ولم يعد أمامنا سوى العودة السريعة إلى الله الحافظ والذي بقدرته وحوله يحول بين أبنائنا وبين تلك المحرمات
    إيقاع العقوبة اليوم على الزناة لم يعد ممكنا قبل العودة إلى الأسس الصحيحة للعقيدة وذلك لن يتأتى إلا إذا حافظت الأسر على تماسكها الفطري والأخلاقي ومناوئة الأفكار الدخيلة عبر القدوة المؤثرة والتربية القائمة على التضحية من أجل بناء أجيال مؤمنة

    إعجاب

  2. مساء الخير يامتفكر ، بدايةً نستعيذ بالله من كل أمرٍ يقود الى هذا الفعل الشنيع او يهونه في قلوبنا ، مع جميع الوسائل الجديدة في بث كل ما يخالف شريعتنا نسأل الله ان يثبتنا على دينه ولا يقلب قلوبنا فنصبح بعد ذلك نادمين.

    إعجاب

  3. سددك الله وبارك فيك وفي قلمك
    موضوع مُلِحّ، والمذكِّر به قليل؛ فجزاك الله خيرا.
    ولقد لمست في بعض الشباب ما ذكرته في مقالك من التهوين الخفي الذي دب في نفوسهم من بعض الكبائر، نسأل الله أن يهدي ضالنا ويرشد حائرنا.

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s