
بسم الله، كان هناك فتى وسيم، يسير به مركِب الأيام والليالي كأي فتى آخر، وذات يوم من الأيام، وفي تلك المرحلة التي يتحول الفتيان فيها إلى رجال، رأى الفتى تعليقة مفاتيح( ميدالية) ذات قلب أحمر صغير مصنوع من البلاستيك وقد خُطَّ على صفحة القلب عينان باسمتان وفم مسرور.
نظر الصبي إلى التعليقة بُرْهةً وقد راق له شكلها اللطيف، أَخَذَها وجَعَلها تَعْليقته، وصارت دفينة جيبه مع مفاتيحه الشخصية في حِلِّه وترحاله ودخوله وخروجه.
مضت الأيام بحلوها ومرها، وامّحت العينان والبسمة اللتان كانتا مرسومتين على صفحة القلب بفعل العَرَق ونحوه، ومازالت عجلة الزمان تدور حتى بدأ الشاب في حمل هم الزواج والتفكير فيه. ومنذ البداية، كان يعلم أقوى أداة يمكن استخدامها في العثور على شريكة الحياة: الدعاء!
يقول: يحمل الشباب والفتيات دائما هم اختيار شريك يتناسب مع الصفات الشخصية للطرف الآخر، ويتناقشون كثيرا في ذلك، بالنسبة لي كنت أقول دائما في نفسي أن الله أعلم بي من نفسي، قد أخطئ في قراءة نفسي وتحليل احتياجاتي الشخصية، لكن الله لن يخطئ، وقد أصيب في قراءة نفسيتي في وقتها الحالي، ثم تتغيرنفسيتي ذاتها في المستقبل بفعل بعض العوامل، والوحيد الذي يعلم ذلك هو الله، هذا عن نفسي، وأما عن الفتاة فقل مثل ذلك وأضعافه، أمامي الآن عشرات الخيارات من الفتيات، والوحيد الذي يعلم على التفصيل بشأن صفات كل واحدة منهن ومدى توافق طباعها مع طباعي هو الله، والوحيد الذي يعلم مئات السيناريوهات عن الشكل النهائي لطبيعة ائتلاف نفسيتي مع كل نفسية من هذه المئات هو الله، النتيجة: ليس لي من وسيلة للوصول إلى أنسب زوجة لي على سطح الأرض إلا الدعاء! وما سواها من وسائل فإنها مهما بلغت من الدقة والتحري فإنها عرضة للخطأ، هكذا بدأ صاحبنا في حشد كل طاقاته العبادية في الدعاء والإلحاح على الله، يقول: بلغ من حملي للهم أني صرت أدعو به أثناء دخولي لبيتي وخروجي منه، وأثناء ارتقائي للدرج وهبوطي منه، وهكذا، أي أنه صار يدعو هكذا على السجية ولا يحرم نفسه من فضل الدعاء لمجرد عدم توافر آداب الدعاء الأخرى مثل الطهارة واستقبال القبلة ونحو ذلك، وقد كان ديدنه الدعاء بجملتين، إحداهما مأثورة، والأخرى قد صاغها لنفسه، فأما المأثورة؛ فهي: (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين)، وأما التي اختصها بنفسه؛ فهي: (رب ارزقني أنسب زوجة لي على ظهر الأرض)!
ظل بطل قصتنا يبحث على مهل عن فتاته قرابة السنة ولمّا يعثر بعد على نصيبه، حتى وصل إلى بيت وأحسَّ بما استخار الله به أن سفينته قد رست أخيرا على شاطئ الجزيرة التي ينشد على ضفافها الحياة الطيبة الحقيقية التي ينشدها، وفي اليوم الذي ذهب فيه لخِطبة الفتاة حصل له عند رجوعه من بيتها مباشرة شيء غريب!
فإنه لما أراد دخول منزله وأخرج مفاتيحه لفتح الباب إذ بقفل القلب المربوط بالعلّاقة ينفتح لأول مرة منذ 7 سنوات من تلقاء نفسه ويسقط متدحرجا على الأرض!
استغرب الشاب من هذا التوقيت لسقوط القلب وقال في نفسه: هل يمكن أن يكون هذا قد حدث مصادفة! قال في نفسه: ربما هذه إشارة إلى أن قلبي قد أُسر! وهو محمل حسن، ومتوافق مع حب نبينا صلى الله عليه وسلم للفأل، وبقي التساؤل مغمورا في ثنايا نفسه وشُغِل الشاب بالتجهز لعقد زواجه على نصفه الآخر حتى كان العقد، وكان اللقاء.
بعد ذلك دعا الشاب زوجته للعشاء في إحدى المطاعم كأول خرجة لهما بعد أن عقد عليها، وبعد عودته بها إلى منزلها- هما الآن في فترة (المِلكة) كما تعلمون ولم يأت بعد وقت الزفاف- ودّعتْه العروسُ وخرجتْْ من السيارة تاركةً وراءها كيسا صغيرا! استغرب الشاب حين انتبه إلى الكيس اللطيف، تناول الكيس ولما فتحه وجد فيه هدية عبارة عن علّاقة مفاتيح ذات قلب اسفنجي أحمر، أكبر مما كان يحمله وألين منه…! استغرقه الاندهاش من هذه الهدية، لأن هذه الفتاة الداخلة حديثا في حياته ما كانت تعرف شيئا بشأن تعليقته السابقة ولا هي رأتها، إن علاقتهما لا تزال غضة طرية ولم يتحدثا بعد في أساسيات الحياة فضلا عن أن يقص عليها شيئا دون ذلك مثل حكاية التعليقة التي سقطت!
هاهنا عاد إلى فتاته يسألها عن شأن هذه التعليقة، فقصَّت عليها قصتها قائلة:
عندما كنت فتاة صغيرة قالت لي أختي الكبيرة يوما ما: اسمعي مني هذه الوصية وطبقيها وإن لم تفهميها تماما : ادعي الله دائما أن يرزقك الزوج الصالح الذي تحبينه ويحبك وتناسبينه ويناسبك.. لم تعِ الطفلة مرامي هذه الوصية تماما مع صغر سنها لكنها أخذت بوصية أختها التي تحبها فصارت إذا وقفت بين يدي مولاها وغطاها الليل بعباءته ناجتْه بهذه الدعوة فلا يكشف الليل عباءته عنها إلا وقد أيقن الليل نفسُه بأنه سيجيء في يوم من الأيام من يتولى عنه تغطية هذه الدرة المصونة طوال الليل والنهار أيضا، وكانت الفتاة تعشق الخلوة بنفسها في سطح البيت وتجد روحها هناك.
ولما بلغت الفتاة مبلغ النساء والتحقت بالجامعة كانت تمر في بعض الأحيان على متجر يبيع بعض الأشياء المنوّعة.. فكان يلفت انتباهها تعليقتان ذواتا قلبين أحمرين كبيرين مصنوعين من الإسفنج فيوقظ منظرهما في صدرها لواعج الشوق إلى الزوج المنتظر.. حتى قررت شراءهما في يوم من الأيام وأخبرت صديقاتها أنها ستحتفظ بالتعليقة إلى اليوم الذي تخرجها فيه لفارسها محشوة بمشاعرالانتظار والاشتياق لمن اختاره الله لها بعد هذا السيل العارم من دعوات منتصف الليل! ولم تكن دهشة الفتاة بأقل من دهشة زوجها عندما أطلعها على قصة التعليقة الخاصة به وكيف تركتْه تعليقته الفردية في يوم الخطبة تمهيدا لهذه التعليقة الثنائية التي أتت في هذه الليلة!
ها هنا شعر الزوجان أن المرساة قد رست فعلا، وأن هذه التعليقة ما هي إلا إشارة من المولى باستجابة الدعوات، وأن الاختيار كان قد تم وحُسِم في السماء منذ حين، ورغم مرور عقد من الزمان على هذه القصة، إلا أن الحوادث والزمن كلما كشفا طبقة من الطبقات الداخلية النفسية لكل منهما كلما زادا بصيرة ويقينا بأن كل واحد منهما كان اختيارا ورزقا إلهيا للآخر بلا شك، وأنها كقطعتي التركيب التي لا يصلح أي منهما لغير الآخر.

تعليق متفكر: الصراحة أنها قصة غريبة، قصة شراءه للقلب الواحد من سن مبكرة ثم انفكاكه من التعليقة بعد عودته مباشرة من خطبة الفتاة، وتزامن ذلك مع شراء الفتاة قبلها للتعليقتين القلبيتين وحفظها لهما حتى يأتيها شريك الحياة لاحقا، مع بُعد كل طرف منهما عن الآخر وجهله بما يحتفظ به، كل ذلك غريب حقا، ولكنه حقيقي، لأني اطلعت على تفاصيله وسمعته من طرفي القصة اللذين احتفظا بالقلوب تلك فترة من الزمن!، وقد قلت سابقا في تدوينة: متحف الفن الدوستويفسكي إن في الحياة غرائب لا تقل غرابة عما نقرأ ونسمع في القصص الخيالية.
ختاما: ماذا عنكم يا أيها المتفكرون؟ وهل رأيتم أو سمعتم من يستعين بالله في العثور على نصفه الآخر؟
رابط الانضمام لمدونة متفكر على التيليجرام: https://t.me/mutafakker
الإستعانة بالله واجبة في كل أمور حياتنا، والله المستعان وهو خير معين.
إعجابLiked by 1 person
مساء الخير يامتفكر ، كم هيا قصة جميلة والأجمل أنها حقيقية وليست مثل الروايات التي نسمع بها ونقرأها 🥹 ، فعلًا لا أحد سيُحسن الاختيار لنا مثل الله ، كم تغيرنا وأصبحنا أنضج وربما عُدنا لما هو أقل من النُضج لكن الله يعلم ما سيتناسب معنا الآن ولاحقًا لذا علينا بالدُعاء وعدم الخوف لأن الله أعلم بنا مِنّا بم سيتناسبُ معنا 🫱🏻🫲🏼🤍
إعجابLiked by 2 people
صحيح، قال تعالى (ربكم أعلم بكم) وقال (هو أعلم بكم)
إعجابإعجاب