الخطايا الخمس للأستاذ الجامعي

بسم الله، يعدّ الأكاديميون من صفوة المجتمع، إنهم أساتذة التعليم العالي، وهم المحطة الأخيرة التي يتزود منها الشباب العلم والخبرات قبل أن يبحر كل واحد منهم بمركبه في بحر الحياة، ولقد دخلت الجامعات منذ 18 عاما ولم أتركها إلى الآن ولله الحمد، وقابلت خلال ذلك عددا من الأساتذة والزملاء الرائعين، ولكن بما أننا كلنا بشر، فهذا يقتضي بلا شك أن الأكاديمي كغيره من فئات المجتمع من الطبيب والمهندس والحِرَفي عرضة للخطأ والتقصير، فضلا عن أن إنهاء رحلة الكفاح الطويلة بنيل درجة الدكتوراه لا يلزم منه نيل الدرجة العالية أيضا في الأخلاق والسلوك، لأنهما- ويا للأسف- انفكا عن الاقتران بعد أن صارت العلوم مرتبطة بهذه الشهادات والدرجات والمؤسسات وغيرها من المعايير المادية المحسوسة، يا إلهي يبدو أنني قد أطلت جدا في المقدمة، حسنا، فيما يلي أبرز الخطايا التي تقع من بعض الأساتذة الجامعيين، وأظنك عزيزي القارئ على درجة من النضج تغنيك عن بيان قضية حساسة، ألا وهي أن تحدثي عن هذه الخطايا لا يعني براءتي منها! ولي تدوينة كاملة في ذلك ها هنا (اتفاقية وفضفضة بين متفكر وأصدقاء المدونة)، حسنا هيا بنا إلى الموضوع:

1- خطيئة الاحتجاب: في هذه الخطيئة يحتجب الأستاذ الجامعي فلا يكاد يصل إليه الطلاب خارج المحاضرة إلا بشق الأنفس، إنه يتجاهل البريد الإلكتروني الرسمي، وليس له منسّق من الطلاب، ويستشيط غضبا إذا حاول أحد الطلاب التواصل معه هاتفيا، مع أن الطلاب كثيرا ما تعرض لهم حاجة للتواصل مع الأستاذ خارج وقت المحاضرة، ولست أقصد طبعا أن يكون الأستاذ متاحا للطلاب في أي وقت يرغبون فيه، فلكل أحد حياته الخاصة التي يجب أن ينأى بها عن التزامات عمله، وإنما أقصد ضرورة أن تكون هناك وسيلة واضحة ومعلنة لكل طالب يحتاج إلى الوصول إليه. والأصل في حرمة الاحتجاب قوله صلى الله عليه وسلم: “من ولّاه اللهُ شيئًا من أمرِ المسلمينَ فاحتجَب دون حاجتِهم وخَلَّتِهم وفقرِهم احتجب اللهُ عنه دون حاجتِه وخَلَّتِه وفقرِه” وهذا نص عام، وعمومه يقذف شعور الرعب والخوف في قلب كل مسلم يعمل عملا فيه شيء من مصالح المسلمين.

2- خطيئة الإشقاق: والأصل في حرمتها قوله صلى الله عليه وسلم: “اللهُمَّ مَن ولِي من أمْرِ أُمَّتِي شيئًا فَشَقَّ عليهم فاشْقُقْ علَيهِ، ومَن ولِيَ من أمرِ أُمَّتِي شيئًا فَرَفَقَ بِهمْ فارْفُقْ بِهِ” وليس قصدي- كما لا يخفى على فطنة القارئ- التماهي مع الطلاب في رغباتهم بعدم فرض أي تكاليف أو أعباء، فعملية التعليم تحتاج إلى بذل وصبر، لكني أنتقد الإشقاق الزائد الذي ليس له أي فائدة حقيقية في مسيرة الطالب، أو الإشقاق الذي يتجاوز حدود النظام، أو الإشقاق الذي لا يشي إلا بوجود عقد نفسية عند هذا الدكتور يريد تنفيسها على الطلاب، سمعنا عن دكاترة يستخدمون الاختبار كوسيلة لتهديد وإرهاب الطلاب كلما اختل مزاجهم، وسمعنا عن دكاترة يقومون بتحضير وتغييب الطلاب قبل بدء وقت المحاضرة رسميا، ورأينا من يقوم بتوزيع الدرجات على الأسئلة توزيعا غير عادل ألبتة، أما من يغيب معظم الفصل الدراسي مثلا، أو يحضر ولكن يكتفي بأمر أحد الطلاب بمجرد قراءة الكتاب هكذا دون أي شرح أو إجابة على أسئلة الطلاب، أو يضع أسئلة صعبة لا تتسق أبدا مع شرحه الرديء للمنهج، فهذا أوضح من أن أُبيّن ظلمه وإخلاله بالأمانة التي هي أول واجب مذكور في اللائحة.

3- خطيئة المكابرة: في هذه الخطيئة يرفض الدكتور الاعتراف بما قد يقع منه من أخطاء في الشرح أو طريقته أو أي قرار يتخذه طيلة الفصل، وقد يُسأل سؤالا لا يحسن جوابه فيستنكف أن يقول لا أدري، وكأنه يظن أن اعترافه يقلّل من منزلته أمام الطلاب، مع أن الواقع أنه يرفع درجته أمامهم، ولربما ضاق صدره بمخالفة الطلاب له في آرائه الخاصة، وهذا من أعجب ما يكون، لأن أي شخص يزاول العلم سيكتشف أن الخلاف جزء غير قابل للانفكاك من كل مجال معرفي، وأنه لولا هذا الخلاف لما قام بنيان العلم، بل إن الأكاديمي نفسه ما كان سينال درجته العلمية لولا خوضه في بعض هذه الاختلافات في بحوثه! فكيف يضيق صدر الأكاديمي بهذا وهو رمز العلم في المجتمع وأوْلى من ينبغي أن تتجسد فيه خصائص العلم!

4- خطيئة المزاجية: في هذه الخطيئة يتعامل الدكتور مع الأمانة الملقاة على عاتقه كتقييم الواجبات ورصد الدرجات ومستوى الأسئلة بوضعية الحاكم بأمر الله! إنه يجزل في العطاء عندما يفوز فريقه المفضل في المباراة، ويخسف بالطلاب عندما يتصادف ذلك مع مشاكله الزوجية وهكذا، عزيزي الأستاذ: هذه ليست أملاكا شخصية تتصرف فيها! ، فكن على نمط واحد من العدل والفضل، وراع الأنظمة واللوائح فيما تمارسه من صلاحيات.

5- خطيئة التقادم: في هذه الخطيئة يتوقف الأستاذ عن الازياد من العلم والمعرفة في تخصصه، لا سيما بعد نيل درجة الدكتوراه الإلزامية، وتبرد همته، وتنقضي دوافعه الأولى، ويصبح العمل في الحقل الجامعي مجرد وظيفة يحصل من وراءها على المال، دون استحضار منه لحقيقة أن وظيفته في المجتمع تقتضي الاستمرار في التجدد والمتابعة لتخصصه، وقد جاء ضمن واجبات عضو هيئة التدريس في اللائحة المنظمة لشؤون منسوبي الجامعات السعوديين: ” متابعة ما يستجد في مجال تخصصه” و” أن ينقل لطلابه أحدث ما توصل إليه العلم في مجال تخصصه”.

كانت هذه أبرز الخطايا التي جالت في خاطري ورأيت وسمعت أمثلة لها من واقع حياتي الجامعية، وحاولت أن أتجنب انتقاد ما يعود لاختلاف الطبائع الشخصية بين الأساتذة مثل التحفظ والرسمية في التعامل مع الطلاب، لأنه خيار شخصي للأستاذ طالما أنه لم يتضمن غلظة في التعامل معهم أو حرمانا لهم من حقوقهم، فلا يصح للأستاذ المرح والمتبسط في تعامله مع طلابه أن يخطِّئ الأول.

حسنا، هل أنا بحاجة الآن لبيان أن كل ما سبق يدخل تحت شريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي لا تستثني أحدا؟ وأنه لأجل تحسين جودة الحياة الأكاديمية وأثرها في خدمة المجتمع؟ وأنه لا يعني تشويها لهذه المهنة العظيمة لأني لم أعمِّم؟ أم أننا صرنا إلى درجة من الوعي تغني الكاتب عن وضع مثل هذه الدروع تحسبا للبغي عليه من قبل البعض؟ إن الدول والحضارات العظيمة لتفتخر بأنه لا أحد فيها خارج عن مبدأ الرقابة والمحاسبة وللأسف نجد من بين الأساتذة من يتحسس من ذلك!

أما بالنسبة للطلاب فأقول لهم: أساتذتكم بشر أمثالكم!، وكما ترى عزيزي الطالب كيف أنك قد تخطئ في حق أحدهم سهوا أو غفلة أو بسبب ظروف خانقة تمر بك أو طبع غلّاب من عصبية ونحو ذلك فقس على ذلك أستاذك الجامعي، فكونه أستاذا جامعيا لا يعني أنه لم يمر بتربية صعبة، أو ديون وسَّدتْه السهر، أو ظروف أسرية حالية أفقدته طعم الحياة، أو اكتئاب يجعله يجر أقدامه إلى الجامعة جرا، فلا تنتظر مشوار جامعيا كاملا ومثاليا، لأن النقص سنة الحياة، وإن استطعت أن ترتقي لدرجة العفو عمن ظلمك فأنت أنت! وقد تمر أنت نفسك بمواقف تالية في حياتك تكون أنت فيها الظالم فتحتاج إلى من يعفو عنك، والجزاء من جنس العمل، ولا شك أن استحضار الوقفة بين يدي العدل سبحانه، الذي يقيم الحساب بين الناس على مثاقيل الذر ليجعل أي مؤمن- وليس الأستاذ الجامعي فحسب- يبيت مرعوبا من احتمالية أن يتفاجأ عند الورود على الله سبحانه بمظاليم ليسوا في حسبانه، نسأل الله العافية.

ختاما: ماذا عنك عزيزي القارئ، وهل مرت بك خطايا أخرى غير ما ذكرت في الأعلى؟ شاركنا الإثراء، لاسيما وأن هذه المدونة محظوظة بقراءة العديد من الأساتذة والطلاب لها.


3 آراء حول “الخطايا الخمس للأستاذ الجامعي

  1. جزاك الله خير على هذه التدوينة 🌹
    وقد يكون وقوع بعض الاساتذة في ذلك غير متعمد فنحاول ان نتلمس الاعذار لهم، وما أكبر خطيئة فهي سوء الأدب ولايمكن التبرير لها مطلقًا؛ كون الاستاذ قدوة (وهو الأصل)، وكذلك من الخطايا التمييز بين الطلاب بناءًا على اي معيار (العائلة، المعارف) وغير ذلك
    ولكن ولله الحمد أن غالب الدكاترة الذين تتلمذت على يدهم في الجامعة لم أرى منهم إلا كل خير، وأنا مدين لهم على قدموه.
    وواجبنا إعطاء أهل العلم حقهم وعدم الاساءة لهم.

    إعجاب

  2. جزاك الله خير يا دكتور على هذه الخطايا التي ذكرتها ويقع فيها الأساتذة الأكادميين بالعادة ، وأود أن أضيف خطيئة أخرى يقع فيها أغلب الدكاترة والدكتورات ، وهو عدم الرحمه بطالباتهم من إعطائهم درجه واحده للحصول على علامة ممتاز جدًا او وضع درجات تحسينية او غير ذلك او ايضًا خطيئة اخرى لبعض الاساتذة وهو ان يجعلوا الفقره الواحد في الامتحان ب٣ درجات ! ما هذا ! تخفي درجاتنا وتذوب كذوبان الجليد عندما يضعون معيار الدرجات هذا لذلك أتمنى ان ينتبهوا لهذا الشي جيدًا

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s