تجريم لا شعوري

بسم الله، كان يا ما كان في قديم الزمان، كان هناك مجتمع (مسلم)، يدين أفراده لله بجواز شرب عصير التفاح، وأنه حلال نقي صاف بنسبة 100%، إلا أن أفراد ذلك المجتمع قد قاموا- لا شعوريا- بوضع كثير من القيود المعنوية على شرب عصير التفاح!، فصار الشخص منهم إذا أراد أن يشرب منه، فلا بد أن يقدم للمجتمع قائمة مقنعة بالأسباب التي دعته لشرب العصير، إنه لا يستطيع أن يصارحهم بأن رغبته في شرب العصير تعود لدواع طبيعية في التمتع به، كلا، بل لا بد أن يغلف رغبته ببعض الدواعي السامية التي يراها المجتمع (المسلم) تعطي تبريرا مقنعا لهذه الرغبة النكراء!

ثم إن هذا المجتمع (المسلم) قد ربط بين مفهوم الإخلاص والوفاء والحب لعصير الفراولة وبين عدم شرب غيره من العصائر، فصار الذي يستعمل حقه الشرعي في شرب التفاح مطعونا في إخلاصه ووفائه، مع أنه يلزم على ربطهم الخاطئ هذا تنقص أعظم الناس من أنبياء وصحابة ممن كانوا يمارسون هذا الحق الشرعي بدون هذه القيود!

ومن ذلك أنهم ظلموا الفراولة، فجعلوا اتجاه الرجل لعصير التفاح رغم حيازته لعصير الفراولة سببا للطعن في الفراولة! إنهم يقولون بغباء بالغ: ما ذهب ليشرب التفاح إلا لوجود مرارةٍ في الفراولة أو عيب فيها! رغم عدم وجود تلازم بين رغبة الرجل في شرب التفاح ووجود مشكلة في الفراولة! النتيجة أن الفراولة صارت تتعذب لأسباب وهمية يسلخها بها المجتمع الذي يرفع شعار التعاطف معها ظاهرا وهو يسلخها باطنا!

ومن ذلك أنهم في إعلامهم دائما ما يركزون على التجارب الخاطئة في شرب عصير التفاح، العديد من المسلسلات والروايات تعرض قصة مشوهة للرجل الذي قرر أن يشرب التفاح! وكيف صارت الحياة مأساوية ومقرفة عقب هذا القرار المصيري! النتيجة أن بقية المجتمع صار عندهم تحيز مسبق وغير منصف لشرب التفاح بدلا من الحالة الطبيعية الأصلية المفترضة تجاه من يشرب التفاح!

ومن طريف أمر هذا المجتمع (المسلم) أنهم إذا رأوا شخصا يدافع عن جواز شرب عصير التفاح بادروه بالسؤال- على جهة الإفحام له والتبكيت- هل تشرب عصير التفاح بنفسك أم أنك تكتفي بالكلام؟ وكأن الكلام عن جواز أي فعل في الإسلام يستوجب ممارسته بالفعل من قبل المتكلم ولا يكفي فيه عشرات النصوص الشرعية التي توضح حكمه، فلا يجوز لك الكلام عن جواز شرب عشرات الأنواع من العصائر إلا لو شربت كل واحد منها فردا فردا.

هذا ولسنا ننكر على بعض أفراد المجتمع نفرتهم الطبيعية من عصير التفاح، فالغيرة ثابتة حسا ومُقرَّة شرعا، والله لا يكلف نفسها إلا وسعها، إن الإنسان قد يكره بطبعه القتال رغم أن الله قد فرضه عليه، (كتب عليكم القتال وهو كره لكم)، ونبينا عليه الصلاة والسلام كان يعاف أكل الضب رغم جوازه شرعا، لكنه في المقابل لم يقم بالازراء على الصحابة الذين أكلوه، ولم يحاول تقبيحه في عيون الناس لمجرد نفرته الشخصية منه، نعم، إننا ننكر تقبيح الحلال، وهو تقبيح مبطن يصعب على هؤلاء التصريح به لدواع إيمانية، ولكنه تقبيح يتضح من استقراء تصرفات بعضهن ولحن قول البعض، تقبيحا لا يمكن للمرء أن يلحظه إلا ويقول في نفسه: هذا القبح يستلزم منه التحريم، فكيف أجازته الشريعة!

ومن الطريف في شأن الغرب- والذي يلعب بإعلامه دورا كبيرا في المسألة- أنه يحظر شرب عصير التفاح وغيره من العصائر بطريقة قانونية تعاقدية تحفظ حقوق جميع الأطراف- بمن فيهم الأطراف الذين قد يُخلقون بسبب علاقة التفاح هذه- ويوجب الاقتصار على عصير الفراولة فقط، لكنه يسمح للرجل هناك بتذوق مختلف أنواع العصائر ولو بلغت المئات بطريقة غير قانونية وفوضوية، فكيف يتفكر هؤلاء! كان عندي صديق أجنبي يقول: لو تزوجت بثانية عندنا فأنتَ مجرم، لكن لو خادنت 99 عشيقة وأنجبت منهن فلا بأس!

إننا نؤمن بأن الله ما شرع شرب عصير التفاح إلا لحكم تليق برحمته وعلمه وعدله، شاء من شاء وأبى من أبى، وأن ممارسة المباح ليست في حاجة إلى كشف حساب بالمبررات والمسوغات، فالمبررات والمسوغات إنما تكون للمكروه والمحرم، أما المباح فيكفي أن ترغب فيه لتتجه إليه مباشرة، مادمت مراعيا لمنظومة الأحكام الشرعية التي نظّمتْه كما نظمتْ غيره، ومن قبّح أمرا جائزا شرعا أو مستحبا فقد اقترف جرما شرعيا عظيما، واستدرك- بلسان حاله- على أحكم الحاكمين عياذا بالله.

إنهم يصفون الرجل الذي (يمارس المباح) بالشهواني!، أما الرجل الذي يشاهد (الحرام) وتلتهم عيناه أنواع الحسناوات على الشاشات، ولا يخشى الله في مشاهدة المقاطع الساخنة في كل مسلسل يتابعه؛ فلا يتبادر لذهنهم أصلا أنه شهواني فضلا عن وصفه بذلك على الحقيقة!، إنهم يصفون المعدّد بالشهواني، أما الرجل الذي يُفني عمره وراء شهوة المال حتى يغدو أثرى الأثرياء فلا يصفونه بذلك، بل يعظّمونه!، ومثله الذوّاق الذي يتتبع شهوة بطنه ويستمتع بتجربة أصناف الطعام من مختلف الدول والثقافات لا يصفونه بذلك!

ومن عجيب أمر زماننا هذا أن الناس صاروا يتذرعون بمفهوم الحرية لفعل الأمور المحرمة شرعا، لكنهم يسحبون مفهوم الحرية من بعض الأمور المباحة شرعا مثل شرب عصير التفاح🤣

خاتمة: ليس مغزى التدوينة مطالبة جميع الرجال بشرب التفاح!، إنما المراد الدفاع عن حكم المسألة من الإباحة النقية التي لا يوجد أدنى غضاضة على من فعلها كما أنه ليس ثمة أدنى غضاضة على من شرب عصير التفاح الحقيقي! علما أن من الفقهاء من يعتبرها- أي التعدد- من المستحبات لا المباحات، لكن المقال بني على القدر المتيقَّن شرعا!

وماذا عنكم معاشر المتفكرين! هل تعتقدون مثلي بأن بعض المجتمعات تجرم شرب التفاح دون أن تصرح بذلك؟

رابط الانضمام لمدونة متفكر على التيليجرام: https://t.me/mutafakker


8 آراء حول “تجريم لا شعوري

  1. جزاك الله خير على هذه المدونة، العنوان جداً مشوق.

    للأسف نحن انتقلنا في بعض المجتمعات إلى تجريم شرب التفاح مع التصريح بتجريمه -على الرغم من فوائده العديدة- وأن شارب التفاح يعد خائنا غدار.

    إعجاب

  2. مساء الخير يامتفكر ، لا أخفيك أنني لم أفهم ماترمي إليه بالتفاح والفراولة حتى وصلت لنهاية المدونة 🥹، وبالفعل أصبح فعل الحلال مستنكر لدى البعض وفعل الحرام ليس مستغرب حتى لديهم فهم لا يرونه حتى شيئًا غريبًا فضلًا عن كونه محرمًا أساسًا ، وهذا يفسّر الكثير مما نراه في هذه الحُقبة الزمنية المخيفة حيث يناقشونك في الحرام بأعذارٍ واهية مثل من يحلل وضع الوشم بحجة أنه مؤقت ولا يدوم وأنه مجرد نقش مثل الحناء ولكنه يبقى وقتًا اطول ولكنه يعلم أنه وشم ويعلم أن الله لعن الواشمة والمستوشمة ولكنه مازال مصرًّا على رأيه وأن اسمه ليس وشمًا بل تاتو كما يسمونه الغرب 🙂

    إعجاب

  3. أوه جديدة هذه عصير! مرة فاكهة ومرة حلاوة ومرة برتقالة:)
    الله يستر من الجديد. 🙂

    صحيح للأسف رغب في الحرام وشوه الحلال بأعذار وتهم باطله وأيضًا بأخطاء بعض ممن فعل الحلال..

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s