هل بالإمكان الاستمرار كما كنا في رمضان؟

الحمد لله، السؤال الذي يراود أذهان الكثيرين عقب انقضاء موسم رمضان هو: لماذا لا أستمر في شوال وما بعد شوال على نفس الحال والإنتاجية اللتيْن بلغتُهما في رمضان!، وإذا كان صاحب هذا التساؤل ذا همة عالية فإن تساؤله هذا سيكون مصحوبا بقدر لا بأس به من الإزراء بالنفس والتبرم منها.

بالنسبة لمتفكر؛ فإن هذه القضية- كغيرها من القضايا- تتنوع فيها الآراء إلى طرفين ووسط. فأما الطرف الأول فهو الذي يستاء من اختلاف حاله عما ارتقى إليه خلال الشهر، وقد يغذِّي استياءه الداخلي ما يسمعه من بعض الدعاة وفقهم الله في هذا الشأن، ويغلب على ظني أنه يندر- وليس يَنعدم- أن تجد في هذا الصنف من يتمكن فعلا من استصحاب (كل) مكاسبه في رمضان، والطرف المقابل بطبيعة الحال هو من ينقلب حاله بعد خروج رمضان إلى نفس حاله قبل رمضان، وكأنه كان يلبس لباسا معينا فخلعه وارتدى لباسه القديم بكل بساطة! والذي أراه أقرب لفقه النفس وسياستها يقع بين هذين الرأيين.

لا شك أن رمضان مخصوص بعدد من الأمور الحصرية التي لا تتوفر لغيره من الأوقات، هذه الحصريات لها دور كبير في انبعاث النفس إلى الخيرات مهما تكن بعيدة عنها قبل رمضان، فمن هذه الحصريات:

١-تصفيد الشياطين، وأثره ملحوظ في إقبال الناس على المساجد ونحوه، وهذا الإقبال الجماعي نحو الخير مؤثر بدوره استقلالاً.

٢- الصوم، وما يتبعه من قطع الإمدادات عن الجسد فتتروّض شهوات النفس البشرية وتخضع.

٣- التأقيت، فكونه وقتا محدودا في حد ذاته (أياما معدودات) يشجع المسلم على أن يتحامل على نفسه ويجاهدها أكثر، كما يحصل لأي طالب في أيام الاختبارات، حيث تزداد إنتاجيته أضعافا مضاعفة، لكن هذه الأضعاف يستحيل عليه بذلها بقية أيام العام الدراسي.

هذه الأمور وغيرها تبيّن لنا لماذا يصعب الاستمرار كما كنا في رمضان، وأما الطرف المقابل؛ وهو الذي يعود إلى نفس حاله كما كان قبل رمضان فهو أشد وضوحا في خطئه، لأنه لم يستبقِ لنفسه ولم يحتفظ لها بأي أثر من آثار التقوى التي علّل الله غاية الصيام بها فقال (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، إنه مثل رجل أخذ بضعة دورات في مهارات مختلفة في الحياة ثم لم يتغير في حياته شيء بعدها!

لقد كان هاجرا للقرآن، ثم جدد علاقته بكلام ربه بقراءة جزء كل يوم من رمضان، ثم انقطع بالكلية من أول عيد الفطر!

وآخر كان منقطعا عن شهود جماعة المسلمين طيلة العام ثم صار من أهل المسجد في رمضان، ثم صار مغتربا عن بيت الله من أول عيد الفطر!

فلمثل هؤلاء يُقال: هل يُعقل أن تدخل مثل هذه الدورة التدريبية المكثفة الناجحة لمدة ثلاثين يوما ثم تتخلى عن كل هذه المكاسب الضخمة بكل سهولة، إن نفسك لا تزال رطبة حاليا من مياه الطاعة في رمضان، فاستغل هذا اللين والانقياد قبل أن تتخشّب وتتصلّب مرة أخرى فلا تنقاد لك! ولا شك أن الأهمية تزداد إذا كان الكلام بصدد أمر واجب أو محرم في الشرع، لا مستحب أو مكروه، وإن كان الكل مهماً، لأننا إنما خُلقنا لعبادته سبحانه.

لذلك أقول بكل بساطة: ليس شرطا أن تكون كما كنت عليه في رمضان بنسبة ١٠٠٪؜، ولكن يجب أن يكون هناك اختلاف في عبادتك أو أخلاقك عن نسختك السابقة قبل رمضان، فإن كنت تقرأ جزءا يوميا في رمضان، وعسُر عليك الاستمرار على نفس الوتيرة، فحافظ على نصف جزء أو ربعه، وإن لم تقدر على الاستمرار على القيام، فلا ترض بأقل من الوتر في كل ليلة، وقس على ذلك بقية الفضائل والرذائل…

ذلك هو رأي متفكر في الموضوع، والآن حدثوني عنكم أيها الصحب، وهل عندكم تجارب ناجحة في المحافظة على مكاسب رمضان؟ شاركونا بها🌹

رابط الانضمام لمدونة متفكر على التيليجرام: https://t.me/mutafakker


6 آراء حول “هل بالإمكان الاستمرار كما كنا في رمضان؟

  1. كلام جميل ، طبعا كأغلب المدونين تكلمت على ما بعد رمضان بطريقتي الخاصة، حتى وان لم يقراها احد يكفي أنني كلما رجعت إليها تذكرني و تساعدني على الاستمرار على ما كنت عليه في رمضان، وهذا اضعف الإيمان، والله يوفقنا لما فيه خير.

    إعجاب

  2. نعم أعتقد أن التأقيت الذي ذكرته هو من أهم اﻷشياء، وتصفيد الشياطين، وهُناك شيء آخر مهم وهي الجماعة، في رمضان الشخص يجد نفسه مع الجماعة يتشجع للتراويح عندما يرى الناس يصلونها، و يتشجع لقراءة للقرآن عندما يراهم يقرؤون، ولا يرى أصحاب معاصي فيكون بعيداً عن المعاصي.

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s