اللائذون بسورة البقرة

الحمد لله، الحديث عن سورة البقرة حديث ذو سماتٍ خاصة، فريدة، وساحرة، إنها سَنام القرآن أي (أعلاه) كما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه، ولها منزلة خاصة ومكانة ظاهرة عند الصحابة رضوان الله عليهم، حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أقبل على النهل منها 12 سنة، فلمّا ختمها نَحَرَ جزورا، وفي غزوة حنين عندما اشتدّ الأمر وفرَّ العديدون من المواجهة كان العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ينادي: يا أصحاب سورة البقرة! يقول الراوي: (فجعلوا يُقْبِلون من كلِّ وجه)!

وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي الذي نعيشه، شرع كثير من الناس في اكتشاف عجائب هذه السورة بأنفسهم، وصار بعضهم ينقل تجربته الخاصة مع السورة، حتى إني لأجد الأمر جديرا بتكوين رابطة خاصة يمكن تسميتها (رابطة أهل سورة البقرة) أو نحوه!، هذه التجارب الثرية أجدها- عند التفكر والتأمل- لا تخرج غالبا عن أشهر حديث ورد في فضل السورة، ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ) رواه مسلم وغيره، وهو كنز من كنوز السنة النبوية، وعليه، فسأنثر شرحا على الحديث مقرونا ببعض التأمل، ممزوجا بما وقفت عليه من حكايات الناس مع هذه السورة العجيبة، وبعض هذه التجارب أنقلها لكم مباشرة من أفواه أصحابها.

أما صدر الحديث فهو واضح! (اقرؤا سورة البقرة) وأما لماذا نقرأ سورة البقرة فهذا هو محور الشرح:

أولا: (أخذها بركة) والبركة تعني كثرة الخير وثباته واستمراره، ومن كرم الله أن البركة هنا جاءت مطلقة غير مقيدة بجانب معين من جوانب الحياة دون غيره!، ويشهد له واقع اللاجئين إلى هذه السورة، فمن الناس من حصلت له البركة في رزقه، فانقضت ديونه بعد أن كان غارقا فيها، أو ازدهرت تجارته بعد كسادها، ومنهم من حصلت له البركة في تفتيح مغلق في حياته، كزواج بعد عنوسة، أو حمل بعد عقم، ومن الناس من حصلت له البركة في طلب العلم، ومنهم من حصلت له البركة في مهنته ووظيفته، أو علاقاته بزوجته وأبنائه، فجوانب البركة متنوعة، ويختار الله لكل واحد وفق حكمته وعلمه بما يصلحهم في دينهم ودنياهم.

ومن جوانب البركة التي يكاد يشترك فيها جميع من لزم هذه السورة: (البركة الداخلية)، حيث يجد القارئ في نفسه من السكينة والسلام الداخلي وانشراح الصدروالقوة النفسية ما جعل بعضهم لا يكاد يتركها بقية حياته! وكم وقع في نفسي من الغبطة عندما علمت عن رجل وقع في غرام هذه السورة العظيمة فلزم قراءتها كل يوم وله على هذه الملازمة عشر سنوات إلى يومنا هذا! وهؤلاء المحظوظون بسورة البقرة ليسوا جميعا من فئة المتدينين كما قد يظن بعض الناس! بل هم على درجات متفاوتة لكنهم مشتركون جميعا في الإقبال على هذه السورة المعجزة وتخصيص جانب مهم من حياتهم اليومية لها.

هذا ويلحظ في هذا المقام أن لفظ (الأخذ) أعمُّ من لفظ (القراءة)، لأنه يشمل عدة صور، فقراءتُها من الأخذ بها، وحفظُها من الأخذ بها، والتأمّل فيها وتدبُّرها من الأخذ بها، ودراسة تفسيرها من الأخذ بها، وكتابتها بالزعفران ونحوه ثم إذابته وشربه من الأخذ بها، وكل يأخذ منها بما فتح الله عليه وبما يناسب ظروفه، لكن تبقى القراءة هي أبرز صور الأخذ بها، لا سيما مع اليقين بها والخشوع عندها، ولذلك أَمَرَ بها النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة.

ثانيا: (تركها حسرة) هذه الجملة عجيبة، لأن الأصل في قراءة سورة البقرة أنه نافلة وليس فرضا، فكيف يكون تركها حسرة؟ وعند التفكر نجد أنه لا إشكال في ذلك، فالإنسان في الدنيا إذا كان بإمكانه الفوز بصفْقة ضخمة ومكاسب هائلة بأسهل طريق ثم فرّط في ذلك، أفلا يتحسر لاحقا؟ بلى يتحسر ولو لم يكن الأمر واجبا عليه، فكذلك الحال مع كنوز الخير والأجر التي جاءت الإشارة إليها في نصوص الوحيين إذا تركها المسلم بدون عذر، فسيأتيه يوم يَعَضُّ فيه أصابع الندم بلا شك.

ثالثا: (لا تستطيعها البطلة) هذه الخاصية الثالثة تدل على أن للسورة أثرا خاصا بالأمراض الروحية، وأنها حصن حصين ميؤوس من اقتحامه بالنسبة للسحرة،! والبطلة هنا من ألفاظ العموم، فلو اجتمعت عليك سحرة الدنيا كلها، باختلاف أنواعهم، ومدارسهم، وشياطينهم وخدامهم، فلن يقدروا عليك مادمت لائذا بهذه السورة!، إن شر السحر يتعاظم في زماننا هذا، لأسباب؛ منها: أنه ليس مُجرَّما في أكثر دول العالم، وحتى في الدول المُجرَّم فيها فإن إثباته صعب، لأنه يختلف في طبيعته وأدواته ووسائله عن الجرائم الأخرى المعروفة كالقتل والسرقة ونحوها مما تجيد الدولة الحديثة التعامل معه، ولأن السحرة الآن قد يختلفون عن الصورة التقليدية التي تتبادر لأذهان معظم الناس عن سماعهم عن الساحر، ولأن السحر يواجه بحملة نكير ممن يعبدون العلم التجريبي المعاصر ولا يعترفون بأي نتائج أخرى غيره، والشيء الذي لا تعترف به فلن تنتبه له، إلى غير ذلك من الأسباب التي تستوجب مزيدا من الحرص على الوقاية من شر السحر ونحوه لا سيما في الفترات الحساسة والحرجة من حياة الشخص والتي يكون فيها معرضا للأعين، مثل دخوله في علاقة زواج، أو نيله ترقية عالية في الوظيفة إلخ، فها هنا تأتي هذه السورة طوق نجاة لكل شخص يمر بمثل هذه الظروف، وفي اليوتيوب وغيره عشرات القصص لأثر السورة العجيب في الحفظ والبركة لمن لازمها فلا تفوتها أيها المتفكر.

تنبيه: كل العبادات والأسباب يؤمر الإنسان بالبذل فيها بحسب الاستطاعة (فاتقوا الله ما استطعتم) وبالتالي، فإذا كان الإنسان مقبلا على قراءة البقرة، ولكنه يعيش ظروفا ماحقة تحول بينه وبين قراءتها على الوجه الأكمل شرعا؛ فليبذل مقدوره وإن قلّ، وليبشر بالأثر من الله، فإنه الشكور سبحانه، العليم بظروف كل واحد ونياته!

ختاما: هل اتخذت قرارك بإدراك هذه الفرصة الاستثمارية الضخمة أم أنك ممن ذاق وجرّب فعلا؟ وإن كنت ممن ذاق؛ فأعطنا تجربتك🌹.

رابط الانضمام لمدونة متفكر على التيليجرام: https://t.me/mutafakker


رأي واحد حول “اللائذون بسورة البقرة

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s