بسم الله، كان يا ما كان في قديم الزمان، كان هناك فتى طموح…
هذا الطموح أراد أن يصل إلى أفضل المراتب الدينية على الإطلاق، وبناءً على قراءاته من هنا وهناك فلقد اختار منتهى لطموحه أن يكون عالما في الشريعة، لقد قرأ أن طلب العلم الشرعي هو أفضل العبادات بعد الفرائض على الإطلاق، وشَعَرَ بأن هذا هو الكمال المطلق بالنسبة له، وأن هذا هو طريقه إلى منزلة الفردوس التي هي أعلى الجنة كما جاء في الحديث، وقد كان الوصول لمنزلة العالِم (مشروع العمر) له!
وقد تأثر الشاب- إضافة لما سبق- بكتب التنمية البشرية وتطوير الذات التي تربط بين مفهوم النجاح وبين ذيوع الصَّيْت وقوة التأثير في الآخرين، كان الشاب يثِب وثبات واسعة على طريق الإنجاز، فلا تكاد تجده في وقت من أوقاته إلا مشغولا بكتاب أو متن ونحو ذلك من وسائل التحصيل العلمي.
ثم جاءت مرحلة في حياة الشاب انقلب فيها كل شيء، وألمّت به أقدار عاصفة طارت به عن طريق العلم الذي اختطَّه لنفسه راجياً أن يصل به إلى منزلة الإمامة في الدين، والتي هي أعلى المراتب كما كان يرى…
عند ذلك ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وضاقت عليه نفسه، لأنه ظن أن طريقه لنيل تلك الدرجة العالية الفريدة عند الله قد أُقفل أو كاد، حاول مراراً أن يعود لطريقه الذي اختاره لنفسه لكن العاصفة كانت أقوى وأطول وأشد بأساً وأبعد أثراً مما يظن في بادئ الأمر، كان يشعر أن زهرة عمره تتقضَّى وهو مشغول بمدافعة أقدار الله المؤلمة تلك، بينما قلبه معلّق بطريق العلم الذي أراده، حتى دخل في حالة اكتئاب حادة بسبب يأسه…
ولأن الله لطيف بعباده، بصير بما يصلحهم وما يحتاجون له، فقد هداه في يوم من الأيام إلى الحديث العجيب الذي يقول فيه الحبيب عليه الصلاة والسلام: (إنّ خيرَ التّابعينَ، رجلٌ يُقالُ له: أُوَيسٌ، و له والدةٌ هو بها بَرٌّ، لو أقسم على الله لَأَبَرَّه، و كان به بياضٌ، فمُروه فلْيَسْتَغْفِرْ لكم) صححه الألباني في صحيح الجامع، وأخرجه مسلم باختلاف يسير.
وحيث إن الله فتّاح على عباده، يهدي قلوبهم ويشرحها لفهم ما يحتاجونه فقد صعق الشاب عند سماع الحديث هذه المرة، وسبب صَعْقته أن أويساً هذا، لم يكن مشهورا بإمامةٍ في العلم، ولا روايةٍ في الحديث، ولا إمارةٍ في الجهاد، ولا دعوةٍ إلى الله، ولا غير ذلك مما ينبهر به الشباب المسلم وغيرهم من علامات النجاح والخيرية، ذُهل الشاب لأنه كان يفترض أن تكون الأفضلية للحسن البصري مثلا، أو سعيد ابن المسيب، أو ابن سيرين، أو غيرهم من الأعلام المشهورين الذين امتلأت كتب السير بذكر مناقبهم وعلمهم وتألههم وغير ذلك.
النص يقول إن أفضل رجل في جيل التابعين- وهم من خير القرون- هو رجل مغمور، خامل الذكر، كان يعمل في رعي الغنم، ليس له ذكر حتى في قبيلته وقومه، فضلا عن الدوائر الاجتماعية الاوسع من ذلك، كان بارّا بأمه، (أي أن تأثيره الاجتماعي يكاد ينحصر في هذه العجوز)، وفيه شيء من البرص،
ها هنا، وبتأثر من قصة أويس التي لا تتجاوز سطرا، عرف الشاب أنه أخطأ خطأً مهولا في فهم دينه، وأنه قد حصل عنده تخليط بين الشرع وبين مفاهيم تطوير الذات الغربية، وأدرك أنه قد يصل إلى مرتبة عند الله أعلى من مرتبة كل من ينبهر إعجابا بعلمهم أو عبادتهم، لأن الحسابات مع الله تخلتف، وأن ما سيوصل المؤمن إلى أفضل المراتب عند الله هو نجاحه فيما اختاره الله من ظروف وأحوال بحسب استطاعته وقدراته، وأن الأفضل أن يَعبد الله بما يريده الله منه لا بما يريده هو ، ومنذ ذلك الوقت نجا الشاب من وهدة عميقة كان على وشك أن يغيب فيها بلا رجعة، ومنذ ذلك الحين أحب أويسا القرني، وإنه لفي شوق عظيم أن يجمعه الله به يوم القيامة لكي يقص عليه قصته وفضله عليه 🌹
رابط الانضمام لمدونة متفكر على التيليجرام: https://t.me/mutafakker
اكتشاف المزيد من
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
رأي واحد حول “العظيم أويس”