٧ تفكرات في دعاء ليلة القدر

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمتُ أي ليلةٍ ليلةُ القدر، ما أقول فيها؟ قال: ” قولي: اللهم إنك عفو، تحب العفو، فاعف عني”. رواه النسائي والترمذي وابن ماجه وأحمد، وقال الألباني: إسناده صحيح.

1- يدل هذا الحديث على إمكانية العلم بليلة القدر لبعض الناس (أرأيت إن علمتُ)، وأن هذا العلم قد يكون سابقا لحلول الليلة أو أثناءها وليس فقط بعد انقضائها، لأنها رضي الله عنها طلبت دعاءً تستعمله حال علمها بتحديد هذه الليلة، وقد يدل الحرف (إن) على ندرة ذلك وصعوبته، بخلاف ما إذا كان اللفظ (إذا) كما هو معلوم في معاني الحروف من استخدام (إن) لما يشكُّ في وقوعه، واستخدام (إذا) لما يتوقع حصوله.

قال ابن تيمية: وَقَدْ يَكْشِفُهَا اللَّهُ لِبَعْضِ النَّاسِ فِي الْمَنَامِ أَوْ الْيَقَظَة فَيَرَى أَنْوَارَهَا أَوْ يَرَى مَنْ يَقُولُ لَهُ هَذِهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَقَدْ يُفْتَحُ عَلَى قَلْبِهِ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ مَا يَتَبَيَّنُ بِهِ الْأَمْرُ. مجموع الفتاوى (٢٨٥/٢٥).

2- في الحديث تطبيق عملي للتوسل بالأسماء الحسنى، استجابةً لأمره تعالى (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها).

3- وأعمق من ذلك أن فيه تطبيقا عمليا للمناسبة بين الاسم المتوسل به وبين المطلوب حصوله (عفو فاعف عني)، مثل أن تقول: يا رزاق ارزقني وظيفة، يا حفيظ احفظ أولادي، وهذا باب عظيم من التلذذ بالدعاء والخشوع فيه.

4- في الحديث تنبيه مهم على أن مطلب العفو والمغفرة يجب أن يكون في قمة هموم المسلم واهتماماته، إذ ركّز المصطفى صلى الله عليه وسلم عليه في هذا الدعاء وخصّه من بقية المطالب المهمة، وواقع كثير من الناس إذا أراد أن يدعو أنه يركّز على تحصيل مكاسب أخروية أو دنيوية دون حمل هم العفو وكأنه أمر مفروغ من تحققه أو اتكالا على النصوص العامة في المغفرة، أو يقول كما قالت اليهود (لن تمسنا النار إلا أياما معدودة)، وإذا كان الحبيب قد علمه لعائشة التقية الطاهرة أم المؤمنين فما أحوجنا نحن إلى سؤال العفو، ناهيك عن أن الذنوب- في حقيقة الأمر- هي أكبر مانع من نزول خيرات الدنيا والآخرة بالعبد.

5- في الحديث تعليم لنا أن نعلِّق تحصيل مطالبنا لله بكرمه وفضله وجوده لا باستحقاقنا وبذلنا، فالأول (أي كرم الله وعفوه) يقين، والثاني (أي استحقاقنا) مشكوك فيه لعدة أسباب.

6- قد يكون للحديث علاقة بقضية التركيز، فكأن السيدة عائشة رضي الله عنها أرادت دعاء تلزمه وتكثر منه في هذه الليلة الفاضلة، لا أنها كانت فارغة الذهن من جملة الأدعية المبثوثة في نصوص الشرع.

7- في الحديث دلالة على توقد ذهن السيدة عائشة وفضولها العلمي الذي قادها لهذا الكنز، وفضلها على الأمة بنقلها هذا الحديث خصوصا فلا تنسوها من دعائكم، ولا تنسو (متفكر) أيضا من دعائكم بأن يكفيه الله همه ويغفر ذنبه وجميع قارئي هذه المدونة، آمين.

رابط الانضمام لمدونة متفكر على التيليجرام: https://t.me/mutafakker


اكتشاف المزيد من

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.


أضف تعليق