الكتابة لأجل الكتابة

بسم الله، ومرحبا بالجميع 🌹

استيقظت صباح هذا اليوم السبت الموافق 20 من شهر جمادى الثاني، وبدأت أفكّر فيما عليّ فعله خلال يوم إجازتي هذا، فتذكّرتُ أن هناك غبارًا متراكمًا على مدونة متفكر يحتاج إلى نَفْض…

أرغب في الكتابة إليكم، لكني لا أجد رغبةً في اختيارِ موضوعٍ معينٍ والكتابةِ حوله، هكذا قررت أن أكتب لأجل الكتابة، وشوقًا إلى تجديد العهد بكم بهذه السطور، وقد سبق أن سطّرتُ تدوينةً من هذا النوع هنا: ثرثرة حول الإجازة

لماذا نكتب؟ هذا السؤال أوجهه لنفسي من وقت لآخر، وقد قرأت في السابق كتابا مترجما بذات العنوان، لميريدث ماران ، جَمَعتْ فيه مؤلفته لقاءاتها مع قرابة عشرين كاتبا عالميا توجه إليهم نفس السؤال، فحَصَلتْ على عشرين إجابة مختلفة، والطريف أني حين قرأته كنت أنتوي انتخاب ما يعجبي من دوافع وغايات هؤلاء الكتاب لكي أستفيد منها في إبقاء جذوة الحماس للكتابة مشتعلة حين أحتاجها، لكني لا أذكر أني خرجت من دوافع هؤلاء بدافع واحد يناسبني لكي أستخدمه ذاتيا🤦‍♂️ ! فالخلاصة أن الكتابة فعل متسع الدوافع لدرجة يصعب استيعابها، وقد يحصل هذا الاتساع والتنوع حتى في داخل الشخص نفسه، لا سيما من يستمر في الكتابة سنوات متطاولة.

قبل أيام تصفحت المنصة، فاكتشفت مرورَ شهر على آخر تدوينة كتبتها (الصابر) فبدأ القلق يدب إلي مباشرةً من طول الفترة، لماذا؟ لا أدري، هل هو الشعور بالحرج تجاه الأحبة الذين ينتظرون جديدي؟ أم هو خوف من ضمور مَلَكة الكتابة إذا لم تُمارَس فترة طويلة، أم هو قلق من فقدان مكاسب معينة نلتها مع الاستمرار في الكتابة فأخشى من زوالها إذا انقطعتُ فترة طويلة، ربما.. على أية حال هناك عقيدة راسخة في أعماقي بوجوب الاستمرار في الكتابة!

ثم إنني لست في بيئة أدبية تعجُّ بالكتّاب حتى أناقش مثل هذا الأمر مع من حولي، إذاً لارتحت ربما، لكني في وَسَطٍ أكاديمي علمي يهتم أفراده بالتدريس والبحوث العلمية، وذاك مجال مختلف إلى حد ما.

ولا يظنن قارئي المتفكر أن مردّ هذه الانقطاعات يعود إلى ما يُسمى بحبْسة الكاتب، فلست في حبسةٍ غالباً ولله الحمد، لكن تزاحم المسؤوليات- ربما- هو الذي أطاح بي في الفترة الماضية، لأن الكتابة في مدونة متفكر ليست من ضمن الواجبات الأساسية في حياتي (مثل الالتزامات الأسرية، والواجبات الوظيفية)، بالتالي لن أخلُصَ إلى هذه المساحة البيضاء لكي أكاتبكم إلا بعد الانتهاء من قائمة الأولويات التي قد تتضخم وتتزاحم من حين إلى حين.

أحيانا أفكر: ماذا لو كنت كاتبا متفرغا؟ ولست مرتبطا بمهنتي كأستاذ جامعي، بل يأتيني دَخْلي من الكتابة نفسها، كما يحصل مع الكثير من الأدباء، إذاً لكانت الكتابة ستتحول إلى مهنة أو واجب، وهذا سيفقدها شيئا من بريقها بالنسبة إلي، هناك قدر من الجمال والبهاء عندما تمارس عملا نبيلا وأنت غير مضطر إليه، بل تمارسه اختيارا ورغبةً، وأتمنى بصراحة أن تظل الكتابة بالنسبة إلي اختياريةً مهما طال الزمان، ومن يدري! ربما يكون هناك عبدالله آخر في عالم مواز يمارس الكتابة متفرغا لها😎

الآن بعد أن كتبت ما سبق، شعرت بالرغبة في (كرمشة) كل ما سبق وإلقائه في سلة المهملات، لكني أكره المثالية ورفع المعايير، لذلك قررت نشر هذه الخواطر.

حسنا يا رفاق متفكر، كانت هذه جولة سريعة في أعماقي، فماذا عنكم؟ لماذا تكتبون؟ ومن لا يمارس الكتابة منكم نقول له: لماذا لم؟

فائدة ختامية: يقول جورج أورويل في كتابه (لماذا أكتب؟) مُجيبًا عن هذا السّؤال من خلال أربعة دوافع:

(الأوّل: حبّ الذّات الصِّرف: الرّغبة في أنْ تبدو ذكيًّا، أنْ يتمّ الحديث عنك، أنْ تُذكَرَ بعد الموت، أنْ تنتقم من الكِبار الّذين وبّخوك في طُفولتك.

والثّاني: الحماس الجماليّ: إدراك الجَمال في العالَم الخارجيّ، البهجة من أثر صوتٍ واحدٍ على الآخَر. في تماسُك النّثر الجيّد، أو إيقاع قصّة جيّد.

والثّالث: الحافز التّاريخيّ: الرّغبة برؤية الأشياء كما هي، لاكتشاف حقائق صحيحة، وحِفظها من أجل استخدام الأجيال القادِمة.

والرّابع: الهدف السّياسيّ: الرّغبة في دَفْع العالَم في اتّجاهٍ مُعيّن؛ لتغيير أفكار الآخَرين حول نوع المجتمع الّذي ينبغي عليهم السّعي نحوه)

ما رأيكم في دوافع الرجل؟ بالنسبة لي فمعظمها لم يوافق مزاجي.


اكتشاف المزيد من

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.


8 آراء حول “الكتابة لأجل الكتابة

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    ما شاء الله، أعانكم الله ويسر لكم الكتابة.
    لا مين في أنني أتمنى أن تكتبوا الكثير جدا، أتمنى أن تكتبوا إلى أن أصل لدرجة أنني لا ألحق أن أتابع جديدكم، أن تكتبوا بإنتاج يكفل لي أن أكون مطمئنا في كل لحظة أن هناك ما يمكنني أن أنسى به كل شيء وأستغرق في قراءته.
    ولكنني أخشى إن حدث ذلك أن يكون تغليبا للكمية على حسب الكيفية ولا بد، تعجبني تلك الكتابات التي كتبتموها برغبة منكم في توضيح أمر أو تصحيح فكرة أو إبراز تأمل، وقبل ذلك كله تعجبني اللغة الصحيحة السليمة زادها الله فصاحة لديكم ونصاعة.
    بالنسبة للكتابة فأنا كذلك، لا أعاني من الحبسة ولكن من الكسل البالغ والرغبة في القراءة أكثر مما أرغب في الكتابة، كثيرا ما أعلق كما أفعل هنا الآن ردا على سؤال أو تنبيها على نقطة أو استفسارا عن أمر لفتني، أما مدونتي فلتسقها سحائب الرحمة فإنها في رأيي قد قُبضت منذ زمن بعيد.
    تدوينتي الأخيرة التي كتبتها منذ شهرين ربما كتبتها بعد انقطاع أربعة شهور أو ثلاثة أصلا، كتبتها حين كتبتها برغبة هي أشبه بتحلة القسم، لكنها هنا تحلة عهد الكتابة.
    لم ألجأ حينها لعشرات الأفكار التي سجلتها ولا لأفكار مهمة ولا لمواضيع حقيقة بالبحث، بل اختطفت شيئا من وحي اللحظة حينها ولم أعد فيه النظر حتى.
    لست أذمها، بل أراها تدوينة معقولة، لكنني أكره ما وقعت فيه من القعود عن الكتابة، أرى أن الأمر يكمن في أنني أُعظِم الأمر (أمر كتابة الأفكار اللا متناهية) في نفسي رغبة في إخراجه على أكمل نسق وأتم هيئة، بحيث أستقصي كل ما قد يستدرك علي أو يؤخذ، فإذا فعلت ذلك استهولته فقعدت عنه، أو أن حالاتي المزاجية هذه الشهور تشير علي بأن هذه الأوقات -على امتدادها- ليست بالوقت المناسب للكتابة، الله أعلم.
    بالنسبة للدوافع، أرى أن لديكم دوافع ربما تندرج تحت الثالث أو الرابع من تلك التي أشار إليها الأستاذ أورويل، فالرغبة في توضيح أمر أو التنبيه على مسألة أو سرد نظرة بمعنى وجهة نظر هي أحد ما أراه كان دافعا لكم في نحو كتاباتكم عن زينة النساء وتبرجهن، هذا ما يقفز إلى ذهني، وإلا فقد تناولتم العديد من المسائل.
    أظن أن هذا الدافع بالنسبة لي أقوى الدوافع، فالرغبة في توضيح أمر أو تغيير نظرة الناس وفكرهم حول مسألة ونحو ذلك أراها أمرا محمودا أؤجر عليه إن شاء الله إن كان طيبا، وأما نوع الدوافع السيئة كالأنانية وحب الذات المطلق فأحاول تجاهلها قدر المستطاع، بل وربما أعامل نفسي حينها بنقيض القصد بحيث لا أكتب ما تريده تلك النفس حين تكون هذه نيتها وطويتها، وإني لأرجو أن يقدرني الله على التعامل مع تلك النيات ويعينني عليها.
    ختما، طبتم وطابت ليلتكم ويومكم وأسبوعكم وشهركم وسنتكم وعمركم، آجركم الله على فعالكم خير الأجر وأفضله، وضاعفه لكم أضعافا، وبوأكمم به في الجنان الدرجات العلى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    Liked by 2 people

    1. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
      حياك الله يا عبدالله،
      رسالتك ملؤها الدفء والمودة والأخوة السابغة❤️
      أتمنى أن تجد في مدونتي دوما ما يشبع ظمأك،

      واضح أن جزءا كبيرا من إشكاليتك سببها المثالية، والمثالية وحش كاسح، يحتاج إلى صراع متكرر،
      أعانك الله على حربها،

      شكرا على كل حرف

      Liked by 1 person

      1. وإياكم حيا الله، أسعدكم الله وأكرمكم.
        بارك الله فيكم، لئن كان ذلك فإنه لمما أتشرف به، أخوّتي لكم! إن ذلك لرائع!!
        بالنسبة للعالل فإنني لا أعل من هذه المدونة، أراها تحتاج مزيدا من الماء لأرتوي، هلا وصلتموها من سيل كتابتكم بسيل وسبب، أي حبل كما تعلمون، كما في آية الحج في (من كان يظن).
        بالنسبة المثالية فنعم، أصبتم فيما قلتم، وقد نبهتموني مرة على ذلك، لكنني كما ذكرت مشغول كذلك بالسفر والدراسة إلى غير ذلك مما لا أدري من أي خرق علي يقع😁.
        آمين، أعانني الله عليها وجميع الكتاب وغيرهم، وأعانني وإياهم على ما سواها كذلك.
        عفوا، لا داعي للشكر، ذلك واجب.
        سلام عليكم ورحمة الله وبركاته

        إعجاب

      2. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
        معذرة عن التأخر، لم أطالع الموقع منذ ذلك اليوم إلا الآن.
        نعم، صحيح، الكيفية قبل الكمية، ذلك مبدأ أراه أفضل وأجدر بالاتباع.
        وهذا ما ألاحظه، من كثر عطاؤه قل نفعه غالبا، أو لن يكون كما لو كان أكثر تركيزا على الكيف.
        جزاكم الله خيرا

        إعجاب

  2. ما كتبته هنا يعكس عمقًا وصدقًا نادرين في زمنٍ أصبحت الكتابة فيه عند الكثيرين وسيلة لتحقيق أهداف محددة أو لجذب الانتباه، بينما تُظهر كلماتك حبًا للكتابة بحد ذاتها كفعل شخصي، نابع من رغبة صادقة في التعبير والتواصل مع الذات ومع الآخرين.

    تساؤلك حول “لماذا نكتب؟” يحمل أبعادًا واسعة تجعل كل كاتب يتوقف لحظة ليتأمل دوافعه الخاصة، وربما يدرك أن هذه الدوافع تتغير باستمرار، بل أحيانًا يصعب تحديدها بدقة. أعتقد أن الكثيرين منّا يمرون بنفس الشعور الذي وصفته عندما يطول الانقطاع عن الكتابة؛ ذلك القلق غير المفهوم من تراجع المهارة أو فقدان الصلة مع جمهور قرّائهم، حتى وإن لم يكن هذا الجمهور واسعًا.

    لفتني أيضًا حديثك عن عدم وجود بيئة أدبية حولك يمكن مشاركتها هذه الأفكار، وأعتقد أن هذه واحدة من أكبر التحديات التي يواجهها الكاتب – أن يشعر أنه وحيد في هذا العالم الأدبي وسط بيئة تختلف اهتماماتها. ولكن ربما في هذه العزلة الأدبية يكمن نوع آخر من الإلهام، حيث تصبح الكتابة نافذة فريدة للتواصل مع عالمك الداخلي، بعيدًا عن التأثيرات الخارجية التي قد تفرض نوعًا معينًا من التفكير أو التعبير.

    وأما ما ذكرته عن الكتابة كفعل اختياري مقارنة بجعلها مهنة، فأعتقد أنك لامست هنا نقطة حساسة للغاية. الكثير من الكتّاب يحلمون بأن تتحول الكتابة إلى مصدر دخل أساسي، ولكن كما قلت، ربما يفقد الفعل بريقه حين يصبح التزامًا يوميًا لا يمكن الهروب منه. ربما جمال الكتابة يكمن في أنها ملاذ نعود إليه طواعية، لا إجبارًا، وأن كونها “ترفًا” أو “هواية” هو ما يجعلها تجربة ممتعة ومليئة بالحرية.

    على الجانب الآخر، فكرة “كرمشة” النص وإلقائه في سلة المهملات، رغم بساطتها، إلا أنها تعكس صراعًا مألوفًا لكل من يحمل قلمًا أو يطرق لوحة مفاتيح – بين الرغبة في المثالية والخوف من نشر شيء لا يبدو “كاملًا”. لكن في النهاية، أعتقد أن النصوص الأكثر صدقًا وتأثيرًا هي تلك التي تنطلق من القلب، دون الكثير من التعديل والتنقيح. وما كتبته هنا ينتمي لهذا النوع من النصوص التي تلمس القارئ لأنها حقيقية وعفوية.

    أما عن دوافع جورج أورويل الأربعة للكتابة، فوجدتها مثيرة للاهتمام، لكن كما ذكرت، ليست بالضرورة تنطبق على الجميع. ربما الدافع الجمالي أو الرغبة في فهم العالم بعمق أكبر هو ما يحفز بعضنا، بينما يجد آخرون متعتهم في مجرد سرد القصص أو تدوين اللحظات العابرة (هنا أنتمي).

    في النهاية، أعتقد أن كل كاتب يكتب لسبب قد لا يستطيع حتى هو تحديده بشكل دقيق، وربما في هذا الغموض تكمن متعة الكتابة نفسها. لذا، لا تتوقف عن الكتابة حتى وإن شعرت أن لا جديد لديك لتقوله – أحيانًا في لحظات “الثرثرة” تظهر أجمل النصوص.

    Liked by 3 people

    1. مرحبا أيتها القاصة (اسم جميل بالمناسبة)..
      أعجبني تحليلك لنفسيتي ،👍
      وكذلك لحظك للإيجابية الناتجة عن العزلة عن البيئة الأدبية، فإني لا أكتب إلا ما يخرج من أعماقي فعلا..
      ومقالك يقطر بالقدرات اللغوية، زادك الله..

      (أحيانًا في لحظات “الثرثرة” تظهر أجمل النصوص)

      Liked by 2 people

أضف تعليق