(الخنزيف)

بسم الله ومرحبا بالجميع، تناهى إلى مسامعي صوت طفلتي الوسطى- أثناء اشتعالها غضبا- وهي تشتم أحدا وتقول عنه إنه (خنزيف)!

مكثت في مجلسي قليلا وأنا أتفكر في هذه النازلة التربوية 🤦‍♂️، هل تستوجب مني التدخّل أم هي أولى بالتغافل؟ في البداية تبادَرَتْ إلى ذهني القاعدة الفقهية التي يقررها جمهور الفقهاء؛ أعني قاعدة (العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني)، وبالتالي فهذه التحريف اللفظي البسيط الذي استبدل الفاء بالراء في كلمة (الخنزيف) لا ينبغي أن ينطلي على دكتور قانون ومحكّم تجاري!، ينبغي أن أمارس سلطتي الرقابية الأبوية إذاً لتهذيب لسانها، صحيح أن الواقعة محل التفكر ليست عقدا بين طرفين، لكن تخصص الإنسان يؤثر على تفكيره وتحليلاته لبقية أموره الحياتية بلا شك، ف (الأمور بمقاصدها) هنا بلا شك.

غير أني واصلتُ التفكر في النازلة من جوانبها الأخرى، فوجدت أن طفلتي هاهنا تستخدم أسلوبا تحاول أن تنفّس به عما في صدرها تجاه مَنْ أغضبها أو آذاها دون أن ترتكب محظورا شرعيا أو نظاميا يستوجب العقاب! ولا شك أن التنفيس عن الغضب دون خسائر ملموسة هو أمر محمود من حيث الجملة، ويتوقع أن يفضي إلى حياة نفسية هادئة في المستقبل، ربما هي أولى بالإشادة والتشجيع على تلمس المخارج وحل المشكلات الحياتية في المستقبل بمثل هذه الطرق! أعلمُ علم اليقين أنها تسمع وتشاهد أضعاف هذا وأصرح منه في المدرسة للأسف.

لاحقا بدأت أنتبه أكثر لحواراتها مع أخيها الأصغر منها، الذي دخل إلى المدرسة هذا العام، فاكتشفت أنهما يقولان عن المدرسة: (خدرسة)! مممم، يبدو أن الأمور قد بدأت تأخذ منحنى أخطر من السابق، المدرسة كيان مقدس لا ينبغى أن تسقط هيبته في النفوس، ومع التتبع والاستقراء وجدتهما يستخدمان (الخاء) لتضمين معنى الرداءة، فلقد كان عند طفلي زميل يدعى (فوزي) ويسميه طفلي (خوزي)، ثم صادف أن رأيت فوزي هذا وقت الانصراف من المدرسة فرأيت مظهره لا يبعث على الاطمئنان!، كان من النوع الذي يسيل لعابه على خده ولا يبدو أنه ينظف أنفه إلا في الأعياد، وبعض الغرائب الأخرى، فعرفت أن (الخاء) هذه تم إدخالها على الاسم لأسباب وجيهة في نظر ابني والله أعلم، لكني أظن أن الدلالة السلبية لحرف الخاء هنا لن يستطيع فوزي إثباتها إذا ما أراد مقاضاة ابني لا قدر الله، إلا إذا جمع من القرائن والسياقات ما يتمكن به من إقناع القاضي بأن المقصود هنا الشتم، وذلك صعب جدا؛ لأني قد أتحرج من الشهادة على ابني بذلك، وبالنسبة لهذه التدوينة، فهي لا تخرج عن كونها شهادة غير قضائية يمكن حملها على محامل متعددة، ونلاحظ الآن أني قد انتقلت من مقام القاضي إلى مقام المحامي، لماذا؟ لأنهم أولادي بطبيعة الحال، لذلك يوجد في كل قانون مرافعات باب مخصص لأسباب رد القاضي 🤷‍♂️

على أية حال..أعتقد أن جميع ما استعرضته من حِيَل في الأعلى، نمارسه نحن البالغون ولكن مع تعقيد في المستوى والعمق لا أكثر، وهو إن كان ينفع في التخلص من بعض المآزق في الدنيا، لكنه سيتوارى في الآخرة ولا يبقى هناك إلا مقام واحد؛ ألا وهو مقام الصدق مع الله، أستحضر في هذا المقام عبارة صاعقة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، يقول فيها: (إن الله يرى من باطنك ما يرى من ظاهرك) فالله أكبر!

وماذا ترون في شأن أطفالي أيها المتفكرون؟ هل يستحقون التعزير، أم أن الركن المادي هنا ملتبس جدا ولا سبيل لإثباته؟

حفظ الله للجميع أولادهم، وأعاننا وإياكم على تربيتهم.

رابط الانضمام لمدونة متفكر على التيليجرام: https://t.me/mutafakker


اكتشاف المزيد من

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.


أضف تعليق