سبع مزايا حصرية للتعامل مع الله عز وجل

الحمد لله، أما بعد:

فإن الإعجاب بالإسلام والتغني بمحاسنه عبادة عظمى، يتعين إحياؤها والتواصي بها لا سيما عند استشراء العمى عن هذه المحاسن، هذا الإعجاب وما يترتب عليه من الاستمتاع بالدين هو شيء ينمو مع صاحبه رويدا رويدا عند التفكر في جماليات الإسلام وأحكامه ومقارنتها بغيره.

ما الذي يعجبك في التعامل مع الله؟ سؤال لو تم توجيهه لكل مؤمن فسيجد من نفسه أسبابا تحببه في العلاقة مع الله قد تتفاوت وتتباين عن العوامل الجاذبة لغيره، وبالنسبة لمتفكر؛ فإن أكثر ما يثير إعجابه في العلاقة مع الله عز وجل يكمن في الخصائص التالية:

1- مرحبا بك في أي وقت!: باب الحضرة الإلهية مفتوح على مصراعيه لكل مقبل! إن هذا الإله الكريم قد أتاح لعباده التواصل معه في أي وقت وأي مكان، (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) إنه قريب منا دوما أيها المتفكرون، ليس هناك أوقات محدودة يُقفل دونها باب التواصل، تستطيع مخاطبته ودعاءه وأنت مستلق على فراشك، وفي أول يومك، تستطيع التلذذ بذكره في أوقات ذهابك وإيابك، أما التعامل مع البشر، فإنهم مهما كانوا قريبين منك أو راغبين في نفعك، فلكل منهم أوقات محددة ينبغي أن تنتظرها! وبعضها قد لا يكون ملائما لك، أما هذا الإله الرحيم فهو معك في أي وقت تقبل عليه، أتعرف قيمة هذه (المعيّة) ! نعمة أن تجده دائما معك! يعلم بحالك، يمسح دمعك، يعرف معاناتك، يشد من أزرك! ثم هذه المعية تترقى وتتطور مع المؤمن ويُفتح عليه فيها كلما أقبل عليها أكثر، و” من تقرَّب إلى شبراً تقربت إليه ذراعاً”.

2- تشكيلة واسعة تناسب الجميع!: يتيح لك هذا الإله الودود مجموعة واسعة من طرق التقرب إليه ووسائل الازدلاف لديه، فأدوار البطولة عنده ليست محصورة على الأقوياء جسديا أو الأغنياء ماليا أو الأذكياء عقليا، بل كل بشري يحظى بفرصة متساوية مع غيره من البشر في نيل أدوار البطولة!، فإن كنت نشيطا فستكثر من العبادات البدنية، وإن كنت اجتماعيا فستكثر من صلة الرحم وإكرام الضيف وإحسان الجار إلخ، وإن كنت كريما فعليك بالصدقات وما والاها، وإن كنت متفوقا عقليا فدونك طلب العلم الشرعي وغيره من العلوم النافعة وهكذا، تخيل لو حصر الرب سبحانه وتعالى طرق العبادات والتقرب إليه في أصناف معينة من العبادات؟ كم كان سيشعر بالحرج والأسف من لا يجد من نفسه نشاطا وإقبالا على هذه الأصناف!

3- لا شروط مسبقة: في شريعتنا الغراء لا يشترط فيك أي شروط مسبقة، لا يشترط فيك عرقية معينة (بعض طوائف اليهود يشترطون في اليهودي أن تكون أمه يهودية على سبيل المثال)، ولا أية ظروف أخرى قد تكون خارجة عن إرادتك (كالدول التي تشترط في منح جنسيتها لمن يرغب الانضمام إليها أن يكون مولودا على إقليمها أو يكون والده حاملا لجنسيتها)، ليس هناك قائمة من المتطلبات التي يتعين استيفاؤها كالشروط التي لا ينجح الإنسان في هذه الدنيا في بعض المجالات إلا بامتلاكها، الشيء الوحيد المطلوب منك هو شرط إرادي يملك أي فرد كائنا من كان أن يحققه، وهو الإقبال على الله عز وجل.

4- لا مجال لسوء الفهم: مما يعانيه الإنسان في التعامل مع البشر: خشية أن يسيئوا فهمه! بسبب حركة غير مقصودة أو مظهر خارجي أو غير ذلك، أما عند التعامل مع الله فإنه يرى من باطنك ما يرى من ظاهرك كما قال أبو بكر رضي الله عنه، إنه يعلم نيتك الطيبة، ورغبتك في التحسن، وحرصك على النهوض بعد كل سقطة، ومن المواضع القرآنية العجيبة التي أسست لهذا الجانب فكانت بلسما لمشاعر كثير من المؤمنين: ما عقّب الله به من تطمينات إثر الأمر بخفض جناح الذل للوالدين والتحرز من قول أي كلمة سيئة لهما، حيث قال بعد ذلك (ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا)، ففي هذه الآية ترياق لكل من كان حريصا على امتثال أمر الله في البر بالوالدين، لكنه يعاني من عصبية في نفسه، أو من طول لسان أمه بحيث يخرجه عن طوره أحيانا، أو كان والده من النوع مستحيل الإرضاء كثير الانتقاد عديم الشكر، كل هؤلاء يطمئنهم الله بأنه يعلم ما في نفوسهم، ولئن أساء آباءهم فهمهم أحيانا بسبب بشريتهم، فإن الله ليس كذلك!

5- مع الله لا بأس بالنفعية: إذا عرف البشر أنك ترتبط بهم قاصدا بعض مصالحك فإنهم ينفرون من العلاقة، أما الله عز وجل فإنه يرغِّبك في الانتفاع به في دنياك ودينك، وأنه لا نفع يُجلب ولا ضر يُدفع إلا به، وأنه لا حول ولا قوة لك على فعل شيء أو تركه إلا بالله العلي العظيم، (من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة)، وإنه ليتحبب إلى عباده بذلك (وإن لنا للآخرة والأولى)، بل إن هذه النفعية قد تكون عبادة في حد ذاتها، لأنها فرع عن عبادات الرجاء والطمع فيما عند الله، ولأنها مبنية على الإيمان بأسمائه وصفاته الحسنى، فهو الكريم الفتاح الحفيظ الجواد المعطي النافع الضار سبحانه.

6- تكلم على سجيتك، خذ راحتك: عند التخاطب مع البشر، لا سيما العظماء منهم، فإننا نحمل همَّ خطابنا، كيف يكون فصيحا وسليما من الناحية اللغوية، أو كيف يكون راقيا وملائما للبيئة التي يتم فيها بحيث لا يكون فيه مأخذ، أو غير ذلك، مع الله أنت لست مضطرا لذلك، تكلم معه كما تشاء، تكلم معه بلغتك، بلهجتك الخاصة، بطريقتك الخاصة، بل تكلم معه بقلبك إذا كنت غير رائق للنطق حتى! قد تختار أسلوب الشكاية له والفضفضة، وقد تختار أسلوب الطلبات الواضحة الصريحة، وقد تختار التركيز على جوامع الأدعية الواردة في السنة، كلها أنواع من العبادات يتنقل الإنسان بينها بحسب حاله ونشاطه، والوقت المتاح له، وبحسب الأنفع لقلبه، لا زلت أذكر أحد الطلاب الصالحين- أحسبه والله حسيبه- في المرحلة الثانوية، وكنا في رحلة مدرسية إلى المدينة، وكان قد نسي أخذ بطاقة الهوية الوطنية، فكان الباص كلما مر بنقطة تفتيش أسمعه يتمتم: (تكفى يا رب، الله يخليك يا رب) فإذا جاوزنا التفتيش أسمعه يتمتم (شكرا يا ربي)، كم أثَّر في نفسي منظره وبساطته، لاحقا عرفت أن النجوى مع الله على السجية تفتح للإنسان ينابيع من العبادات القلبية والامتلاء الروحي! فاللهم فضلك.

7- دوما هناك مجال للتصحيح، طاقتنا كبشر محدودة، وإذا استنفد الطرف الآخر من العلاقة هذه الطاقة فإننا نصبح غير قادرين على التسامح والغفران معه! كل البشر في تقديري الشخصي لديهم حدود إذا تم انتهاكها فإنهم يقفلون دونك الباب وقتها عن إعادة ترميم العلاقات بهم، سواء كانت حدودهم مرتبطة بأشياء سخيفة وغبية أم أشياء لها قيمة حقيقية، أما عن الله فإنك مهما أولغت وسقطت في براثن الشرك وأوحال الموبقات ثم أردت التوبة فهناك رب رحيم عفو ليس يقبل توبتك فقط! وإنما يفرح بها! ولو وقعت ألف مرة ثم قرعت الباب فستجده مشرعا أمامك! بالله حدثوني عن أرقى الناس وأوسعهم خُلُقا كم مرةً سيكرر فيها غفرانه لك ثم يغلق بابه!

مشاركة من صديق: ذكرت لكم في الأعلى أن في قلب كل مؤمن خصائص تأسره في العلاقة مع الله، وقد سألت البارحة صديقي أبا عبد الرحمن عن ذلك، فأطرق هنيهة ثم أجاب: (الخصوصية والسرية)، فعجبت لكلامه وطربت له! مع الله دائما (سرّك في بئر) قل له ما تريد ولا تحمل هما، بخلاف البشر، مهما كانوا في القرب منك أو الحرص على حفظ أسرارك، ولقد ذكرني هذا بما يشترطه النصارى الكاثوليك وكذلك البوذيون عند التوبة من الذنوب، حيث يوجبون أن يكون الاعتراف بحضرة القس أو الراهب، وأن يحرص التائب على ذكر جميع خطاياه الكبيرة، وعدد مرات ارتكابها، ويبذل جهده في عدم نسيان شيء منها، لكي ينال الغفران بعد ذلك! فشعرت بنقطة عرق وهمية تقطر على خدِّي😓 يا للفضيحة، اللهم لك الحمد على عدم وجود وسائط بيننا وبينك في مناجاتك والتوبة لك.

ختاما: ماذا عنكم يا أصدقاء متفكر! ما الذي يأسركم في التعامل معه؟ ما هي النقطة التي التفتم لها في يوم من الأيام فقلتم في أنفسكم: يا ألله ما أجملك!

رابط الانضمام لمدونة متفكر على التيليجرام: https://t.me/mutafakker


7 آراء حول “سبع مزايا حصرية للتعامل مع الله عز وجل

  1. عندما تأمّلت قول الله تعالى :(والله ولي المؤمنين) تبيّن لي أنه لا خوف على أي مؤمن إيمانًا صادقًا في هذه الدنيا وفي الآخرة لأنه ما دام الله وليّك ومؤيدك وناصرك فلماذا تخاف إذًا !!
    قال تعالى:{ إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين }
    إنما قال : ( والله ولي المؤمنين ) ولم يقل : وليهم ؛ تنبيها أن موالاة الله تعالى تُستحق بالإيمان ، وأنها ليست بمقصورة على من تقدم ذكرهم ، بل ذلك لكل مؤمن في كل وقت .
    الأصفهاني تفسيره ٢ / ٦٢٤

    Liked by 1 person

  2. شكرا لك شكراً شكرا ..
    على عمق الفكرة في قوة… وجميل المعنى في سهولة العبارة في رحابة .
    لك دعوة في ظهر الغيب .

    Liked by 1 person

  3. للأمانه قُلتَ كل مافي قلوبنا، الحمدلله على لُطف الله وكرمه وعلى بابه الذي لا يُرد في وجوه القادمين ويستقبلهم آناء الليلِ وأطرافَ النهار، الحمدلله على الفهم والظن الذي لا يُساء من جهته دومًا، الحمدلله دائمًا على أنه الله جل جلاله الذي نحبه بصفاته العُلى، كامل الشكر والتقدير لسعادتكم على هذا التذكير بكل هذه الأسباب التي تزيدنا محبةً وتعظيمًا لهُ سبحانه 🌹

    Liked by 1 person

اترك رداً على عبدالله بن ياسين بخاري إلغاء الرد