
بسم الله…
أيها الراحل إلى جوار ربه قبل عامين، يا صاحب الحضور الكاسح الذي لا يزال متخلِّلا كافة جدران قلبي وعقلي، كأنك لا تزال حيا تُرزق-سوى أنّا لا نراك-، لقد قررت أن أحدثهم عنك بمناسبة بلوغ عدد قراءات المدونة 25 ألف قراءة -كنوع من الاحتفالية-، ذلك أن كلامي عنكما من أكثر ما يدخل عليَّ السرور والطرب.
كان أبي ياسين رحمه الله بمثابة الغيمة التي تظللنا جميعا، أو بمثابة العامود الذي تقوم عليه الخيمة، هناك شعور مشترك بين جميع أفراد الأسرة بوجوده سَنَداً يلتجأ إليه بعد الله إذا ألمَّت الشدائد، حتى زوجتي شعرت بانكسار هذا الظهر لها بعد وفاته رغم أنها زوجة ابنه وليست بنته، ظَلَّ وجوده يشعرنا بهذا الأمان منذ كنا صغارا لا حول لنا ولا قوة، واستمر معنا في كافة أطوار حياتنا حتى بعد أن كبُرنا وصرنا موظفين وآباءً.
في هذه التدوينة أريد الحديث عن بعض الأشياء التي ورّثها لنا والدي رحمه الله، كل أب يموت فإنه يورث لأسرته إرثا، لا أقصد الإرث بمعناه المادي، وإنما أقصد الخصال والمبادئ والذكريات التي غرسها هذا الأب في أسرته ثم رحل عنهم وتركها تثمر ثمارها فيهم، وسيلاقي ربه في يوم الجزاء ليحاسبه عن هذا الإرث. ألا وإن إرث ياسين رحمه الله ليس من المحدودية بحيث أعرضه في تدوينة واحدة، ولكن سأحاول إلقاء الضوء على بعض معالم هذا الإرث، فهيا إلى العرض:
1- القرآن العظيم: لا زلت أتذكر ذلك الشارع الذي كنت أسير فيه بجوار والدي، ذاهبَين إلى صلاة العصر في المسجد الجديد في الحي، كنت طفلا في السابعة غاية همه أكل الحلوى ربما، حين سمعته يتحدث مع جارنا ويخبره أنه سيقوم بتسجيلي في التحفيظ الجديد! والله الذي لا إله إلا هو أني أتذكّر إلى الآن مشاعر انزعاجي من هذا الخبر 😭، على الفور شعرت بالاستياء لأن أوقات العصرية ستضيع عليّ وسأضطر للالتزام بهذا الالتزام الجديد فوق مشكلة المدرسة التي كانت جديدة في حياتي أيضا، ثم إن هذا الأب الديكتاتور لم يستشرني ويأخذ رأيي أو موافقتي في الموضوع 😁، لا شك أني نظرت إليه وقتها في حَنَق وزممت شفاهي احتجاجا عليه! لم أكن عالما وقتها بأن تلك اللحظات ستكون افتتاحية لأعظم وجوه إحسانه إلي وإكرامه لي، حيث مرت السنون بعد ذلك الموقف ويسر الله لي حفظ القرآن نتيجة دعم متواصل منه ومن أمي، وصار القرآن بعد ذلك جزءاً أساسية من عقلية متفكر وفهمه للحياة، وإني لأتساءل: ماذا لو لم تذهب بي للتحفيظ يا أبت وتركت لي الخيار في ذلك!
2-هل هناك شيء اسمه عنصرية؟: الدائرة القريبة من أصدقاء والدي كانت تضم أصدقاء من مختلف الأعراق، منهم العم شاهر والعم إبراهيم والعم محمد الأنصاريون، والعم محمد مقبل، والعم علي عطاس رحمه الله، والعم حسن القرني، والعم نايف الهذلي وغيرهم، فيهم الأبيض والأسمر والأسود، والبدوي والحضري، إلى غير ذلك من الاختلافات، هل تعرفون متى اكتشفت شيئا اسمه العنصرية؟ ربما سيعسر عليكم التصديق؟ لقد اكتشفت العنصرية عندما دخلت الجامعة (البكالوريس)! أما قبل ذلك فلم أعرف أن الناس يعيرون هذه الفروقات اهتماماً، لأني وبكل بساطة لم أر والدي أو والدتي يختلفون في نظرتهم أو حديثهم عن أحد بسبب هذه الأمور التافهة، وللأسف، كثير من العنصرية الموجودة اليوم عند الناس سببها ما يرونه عند والديهم! يقول ابن القيم: “وإذا اعتبرتَ الفسادَ في الأولاد رأيتَ عامَّتَه من قِبَل الآباء”.
٣- الحب الحقيقي: في رحاب هذا الأب العظيم أدركت المعنى الجليل والجميل للحب بين الأنثى والذكر، لم ينظّر لي والدي أو يشرح لي في يوم من الأيام كيف ينبغي أن تكون العلاقة بين الرجل والمرأة، لكني رأيت ذلك عيانا بأفعاله لا أقواله، كان يحوط أمي بحنانه ويرعاها، وكان يحترمها إضافة إلى حبه لها، والاحترام شيء والحب شيء آخر، وإلى نهاية حياته كان لا يفتر عن تلك الأفعال اللطيفة التي تعبر عن حبه وتقديره لها، مثل الثناء على لذة طعامها، ولقمة يختارها بنفسه لكي يطعمها إياها أمامنا، و (تدليعة) خاصة بلغتنا يناديها بها تعني “حياتي” وغير ذلك من الأفعال المتناثرة في أرجاء الحياة اليومية، إضافة إلى عرفانه الدائم لها بالجميل أمام كل الناس، أصحابه، وأولاده وغير ذلك، وإذا ما سألتني وسألت إخواني عن وصية والدكم ما هي؟ فسنجيبك جميعا على البديهة: أمي، فلقد كان من فرط حبه لها وحنانه عليها لا يفتر عن وصيتنا بها، ولقد أنشأ لأجلها حسابا خاصا من سنوات، فكان يجمع فيه شهريا ما يستطيعه من مال رغبة منه في إغناءها حتى بعد وفاته، فضلا عن نصيبها في الإرث، وليس يعني هذا أنهما كانا استثناءاً من البشر، بل وجدت الخلافات ووجدت المشاكل، لكن عندما نفكر الآن في الماضي فلا نجد إلا المحاسن والفضائل.
٤-حريات شرعية: رغم حزم أبي وصرامته في تربيتنا على أساسيات الدين ومحاسن الأخلاق، إلا أنه كان يتجنب فرض قيود علينا فيما وراء ذلك، ومن محاسنه في ذلك أنه لم يجبرني على دخول الطب بعد تخرجي من الثانوية بمعدل مرتفع، رغم قدرته النفسية ورغم أنها كانت أمنية له، وكنا جميعا نعرف ذلك، لكن لا أحد مني ولا من إخواني كان يحب الطب! فلم يضغط على أحد منا في سبيل مهنة هو يحبها، مع أنه يعلم أنه لو أمرني بذلك أمرا جازما لكنت قد انصعت لأمره، لكنه آثر أن يفسح الطريق لرغباتنا الخاصة وشغفنا الحقيقي فاخترت كلية الشريعة، وعندما تخرجت منها تم ترشيحي للقضاء وأُرسلتْ أوراقي لوزارة العدل من أجل استكمال إجراءات تعييني حتى لقد استقبل بعض المكالمات الهاتفية تهنئه بذلك، لكنه لم يقل لي كلمة واحدة في سبيل الضغط علي، وقد علم بعدم رغبتي في القضاء فاحترم ذلك، واستمر يصرف عليَّ على نفس الوتيرة حتى يسر الله لي وظيفة الإعادة في الجامعة بعد قرابة سنة من تخرجي من البكالوريوس.
أما فيما يتعلق بما يعتقده من أساسيات الدين ومحاسن الأخلاق فكان آمرا لنا بالمعروف ناهيا لنا عن المنكر!، فإنني منذ عرفت أبي وأنا صغير إلى أن توفي وأنا في الثلاثينات وهو لم يفتر يوما عن تطبيق أمر الله له (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها)، فكان إذا أذن المؤذن للصلاة اتصل علينا من غرفته في الطابق السفلي لينبهنا إلى أن وقت الصلاة دخل، وقد نتأخر في النزول للصلاة فيتصل علينا لينبهنا أن الصلاة على وشك أن تقام، ومن حزمه وتعهده لنا في التربية موقف لا زلت أذكره كأنه حصل البارحة، ذلك أني في سن المتوسطة قررت أن ألعب البلاي ستيشن برفقة أولاد الجيران وأدخلتهم عندي في غرفتي الخاصة، ومع حماس اللعب وأجواءه تكاسلت عن موضوع ضيافتهم ولم أقدم لهم شيئا إلا طبقا من المكسرات وجدته في طريقي! وعندما سألني الوالد عما قدمته لأضيافي أجبته بحقيقة الوضع محتجا بأن هؤلاء (خويّاني) وليس بيننا كلفة وأن أحدا منهم لو أراد شيئا فسيطلبه…إلى غير ذلك من الحجج التي تفلسفت بها، فكان رده غاضبا على حججي وقال لي كلمة لا زالت ترن في أذني😓…قال لي: ما دمتَ في بيتي فتضيفهم على طريقتي! بهذا قطع والدي الحوار في الموضوع، ومن بعدها فهمت أن موضوع ضيافة الناس عنده خط أحمر وغير قابل لاختلاف وجهات النظر، أما سبب تشديده في الأمر فهو ما عرفته لاحقا من تشديد الشريعة في هذا الباب حتى إنها ربطته بالإيمان بالله، وذلك في حديث (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)!
5- ماذا يعني الصبر؟: لا يمكن أن تتكون صورة أبي في خيالي دون أن يقترن بها معنى الصبر! فقد أصيب والدي بسلسلة من المصائب في جسده وصحته بدءاً من الفشل الكلوي وانتهاءً بهشاشة العظام، هذه السلسلة أردته طريحا على الفراش في سن مبكرة نسبيا، كان يقضي كل وقته تقريبا مستلقيا على السرير، وحين يمشي فلا يمشي إلا قليلا وعلى عكازين، وكانت هشاشة العظام في حوضه وجسده السفلي قد تسبب له آلاما حتى من (المطبّات) التي تمر بها السيارة في شوارعنا العامرة!، لا أحصي كم مرة رأيته يكتم آلامه، كان قد تعايش معها، فهو يضحك معنا، ويتنزه معنا، ويدعونا إلى المطاعم التي يحبها وهو يتألم في نفس الوقت😢، وكنا إذا تحدثنا أحيانا عن تكفير الذنوب بالأمراض يقول لي مازحا: (يبدو أن ذنوبي كثيرة جدا ولم تنته إلى الآن)، لم أره يوما يتسخط من قدر الله رغم تعدد الانهيارات الصحية والنكسات الجسدية التي عاينته فيها!، وإني لأرجو الله أن يكون متنعِّما الآن في ثمار هذا الصبر.
ختاما: هل انقطعت أبوتك عن ابنك بعد موتك؟ الجواب لا، ذلك أنه بعد نيلي الدكتوراه مؤخرا أقامت لي أسرتي الصغيرة احتفالا زاهيا بتلك المناسبة برئاسة أخي الأكبر محمد، وعندما نمت عقب تلك الحفلة الرائعة رأيته في المنام… رأيت نفسي طفلا صغيرا أقف أمامه… كان يحتضنني ورأسي بإزاء بطنه من فرط قصري…كأنه قد بلغه افتقادي له في تلك اللحظة الأساسية في حياتي فأتاني من البرزخ ليشاركني فرحتي!
حسنا، لقد وصلت التدوينة إلى حدها الافتراضي يا أبتاه ولما ينقضي بعد حديثي عنك! فسأمسك الآن مكرَها.
أرجوكم: لا تنسوا والدي من دعائكم، فهو وحيد الآن بين يدي رب يسمع دعاءكم في هذه اللحظة، دعوة تغفر له ذنبا، ودعوة ترفعه درجة، وربّ دعوة ترقيه في الفردوس الأعلى من الجنة…
ملحوظة: تجدون في الأسفل بعضا من تعليقات أبناء وأصدقاء هذا الرجل العظيم👇🏻
رابط الانضمام لمدونة متفكر على التيليجرام: https://t.me/mutafakker
“مادمت ف بيتي فتقوم بضيافتهم ع طريقتي”
لقد رنت في اذني ايضا..
رحم الله والدكم
إعجابLiked by 2 people
آمين وإياكم ووالديكم🌹
إعجابإعجاب
رحمه الله تعالى….
من أنجب مثلك لم يمت …
جزاكم الله خيرا..
إعجابLiked by 1 person
آمين وإياكم أجمعين
إعجابإعجاب
👍
إعجابإعجاب
اسأل الله أن يرحمه ويغفر ذنبه ، ويجعل قبره روضة من رياض الجنة وأن يجعله من اهل الفردوس الأعلى
وكأنني أقرأ عن والدي سبحان الله وكأن جيلهم تمت تربيتهم على سجية واحدة رحمهم الله جميعاً…
_________
عظيم أنت أيها الأب
تتحمل على عاتقك الكثير
وتصبر على الكثير في سبيل عائلتك
في سبيل سعادتهم تفعل كل شيئ من غير تفكير ومن دون لفت أي إنتباه ولن يعلم أحد بذلك القدر اللذي تحمله على عاتقك الا بعد رحيلك .
_________
الرحيل وما أدراك ما الرحيل…
عندما يرحل الأب
يرحل معه سربال الدفئ والأمان وسربال الطمأنينة
الأب عندما يرحل…
يرحل معه كل شيء
ستكتشف حينها بأنك ولدت من جديد
وأن عليك أن تبدأ كل شيء من جديد
لأنه عندما يرحل يأخذ معه كل شيء… حقاً كل شيء.
إعجابLiked by 1 person
(وأن عليك أن تبدأ كل شيء من جديد
لأنه عندما يرحل يأخذ معه كل شيء) 😢
إعجابإعجاب
رحم الله روحًا كانت ولا زالت سندي الأعظم، رحمك الله يا أبتِ..
من أبرز خصاله رحمه الله أنه كان مضيافًا، ما مر بمكة حاج من قرابتنا في الخارج إلا ودعاه وضيفه وأسبغ عليه ما استطاع من الهدايا والعطاءات، واستمر على هذا النهج عشرات السنوات حتى مات، حتى أنه وصلني أن بعض من كان يتردد على بيتنا في مواسم الحج قد سمّو بعض بنيهم على اسمه رحمه الله عرفانًا بجميله المستمر، وأن قرابتنا البعيدين في الخارج قد أنشؤوا مجموعة دعوية اسمها (محبوا ياسين) تجمع عددا كبيرا ممن استضافهم في بيته على مر عقود.. كان معطاءً كريمًا رغم كل ظروفه..
وما رأيت رجلا أقوى منه قط، ولا أظن أن أرى، كان حكيم التفكير، رزين التصرف، واضح الكلمة، يصدح بما يراه من حق، ولا يهاب شيئا.. ولا زلت استذكر قوته كلما مررت بموقف عصيب.. حتى أنني لأستقوي به رغم موته.. رحمه الله.. رحمه الله.. رحمه الله.
اللهم اجمعني بوالديّ ومن أحب عندك.. اللهم اغفر لمن استغفر لوالدي يا كريم..
شكرا ياعبدالله على المقالة التي هيجت المشاعر
إعجابLiked by 1 person
آمين يا كمال، لا يهدّئ خواطرنا إلا وعد ربنا بجمع الآباء وأولادهم في مستقر رحمته بإذنه وكرمه سبحانه
إعجابإعجاب
آمين يارب العالمين
إعجابإعجاب
إذا مات إبن آدم إنقطع عمله إلا من ثلاث أحدها إبن صالح يدعو له
ومما لا شك فيه أن أباك قد ترك إرثًا عظيمًا يتمثل في أبنائه البررة وزوجته الصالحة فهم مجتمعين تحملوا كثيرا عند مرضه الذي أقعده عن الحركة قبل نحو عقدين من الزمن وعقب وفاته بالتواصل مع اصدقائه وفاء لوالدهم لإبقائه حيًا في قلوبهم
وحقيقة لا تزال صورته ماثلة أمامي في أحايين كثيرة نظرًا لرحلة صداقة ربطتني به لأكثر من خمسة عقود
كنت أتصل به ويتصل بي لمناقشة بعض الامور التي بها من الخصوصية مالا يمكن البوح به إلا لشخص في مقام الروح
كان صاحب إبتسامة عريضة وحضور ذهني به من الفطنة والذكاء قل أن تجد له نظيرًا كما كان حريصا جدًا على التواصل مع أصدقاء الأمس وإن بعدت المسافات وطال الهجران
على الجانب الشخصي إفتقدته لأنه كان الوحيد الذي أبث له شجوني وآلامي
ولكنها سنة الحياة في الفراق واللقاء بعده في أعلى الجنات جنات النعيم
إعجابLiked by 1 person
الله يسعدك عمي شاهر، لطالما كنت الصديق الذي يرافق أبي و يسنده . جزاك الله خيرا على كل لحظات السعاده اللي قضاها بجانبك.
إعجابLiked by 1 person
حفظك الله ورعاك وبارك لك في حياتك
إعجابLiked by 1 person
جزاك الله خيرا يا عم شاهر، وسامحنا على التقصير الشديد في حقكم فقد كنت من أقرب الناس للسيد الوالد، اللهم اجمعنا به جميعا
إعجابإعجاب
رحمه الله واسكنه الفردوس الاعلى ، لطالما كان الاب الاظهر الثابت والسند الذي لا يسقط مهما حصل لذا بوفاته يكون التأثير كبيرا ولا يحتمل ، وجوده على قيد الحياة حتى وان كان خارج المنزل شعور انه سيعود للمنزل شعور يبعث على الاطمئنان والامان ، لا نخاف من برد او جوع ونحن نعلم يقينًا انه معنا ، رحم الله من توفى منهم وحفظ لنا من تبقى منهم ، فعلًا مقالة تهيّج المشاعر وتذكرنا ان نراجع افعالنا معهم ما داموا احياءًا وما دمنا قادرين ان نبرّهم قدر ما نستطيع ، شكرا لك يا متفكر ورحم الله اباك وجعل مثواه الفردوس الاعلى يارب 🤍
إعجابLiked by 1 person
آمين جميعا، وهنيئا لك بوجود والدك ما شاء لله، وهنيئا لك قربه ورائحته ومنظره وكل شيء فيه
إعجابإعجاب
لفترة غربة كبيرة امتدت اكثر من ٧ سنوات في أمريكا، دائما ما حلمت باليوم الذي اعود فيه و افتح التلفاز لامي و ابي و اريهم صور مافعلت. كنت متأكدة تماما من كمية الفخر و الفرح الهائلة التي ستعلو محياهما..
جمعت كل الانجازات و رتبتها في عقلي، تخيلت اللحظة مرارا و تكرار لاضعها امامه فور رجوعي و افاجئه بها لكن العمر انتهى و لم ينتظر. لعل الله اراد ان تكون لحظة الفخر هذه يوم القيامة أمام العالمين..
عملت الحمدلله في خدمة المحتاجين و اللاجئين السوريين من المساعده في الترجمة و المواعيد الطبية و جمع تبرعات الاثاث، قدت فريق سند التطوعي ل٣ سنوات مابين مساعده الطلبة المبتعثين و تحسين صورة المسلمين و السعوديين في المجتمع الامريكي، حصل الفريق خلالها على جائزة افضل عمل تطوعي على مستوى امريكا من فريق سعودي.
أُخترت انا و صديقتيّ ضمن قائمة الاشخاص المؤثرين في محاربة الكراهية على مستوى امريكا على مشروع ينشر الوعي بحجاب المرأة المسلمة عام ٢٠١٩ و حاز على اهتمام اعلامي كبير.
حرصت ان اكون قريبة من المبتعثات حسيا و جسديا فكنت ارتب لهم لقاءات لطيفة و هدايا للامهات الجديدات و توفير مايحتاجونه بكل الطرق الممكنة حتى عرفت صدفة ان لقبي في المدينة (عمدة بيتسبيرغ)😁..
اهتممت بالجيران و الاحسان لهم كما تعلمت و تربيت و حرصت على تثقيفهم عن الاسلام حتى اصبح جميع من حولي يعرفون ايام رمضان و الصيام و الاعياد و يشاركوننا بها سواء بتهنئتنا باللغه العربية ( تخيلوا الجهد ❤️) او بشراء الهدايا لأطفالي.
و و الله ثم و الله ما علمني و غرس في قلبي حب المساكين الا هذا الاب العظيم الذي ياخذني معه لشراء و توصيل الاطعمة للارامل، يساعدني في اي عمل فيه سعاده لأي احد كان سواء من الاقارب او المحتاجين او حتى عمال النظافة ، دائما ما يساهم فيما تحتاجه مدرستي او تحفيظي. دائما يسألني عن اقتراحاتي لتلبية حاجة او هدية لمحزون.
و زدها درجة الاحسان في العطاء اللتي علمتني اياها أمي، كانت دائما تأمرني بوضع الحاجيات بترتيب في كيس مناسب، مسح اطراف الصحن اذا تناثرت عليه صلصة الادام قبل ارسالها للجيران.
فكنت اصنع كيكة الموز عندما يتبرع السوبرماركت بكمية موز كبيرة،و اضعها في علب مرتبة (ثم) أقوم بتوزيعها على جيراني.
دائما نيتي في قلبي و دعائي لله ان يرسل من يسعدهما في مكانهما كلما قمت انا باسعاد احد ما و ان يرسل من يساعدهما كلما ساعدت احدا. ان يحمي الله اخواني الاربعه سندي و اعمدة حياتي و يسخر لهم حياتهم كلما سهلت و سعيت لاحدهم. ان ييسر الدراسة و الغربة على زوجي حبي الأول و الاخير كلما سعيت في المنح الدراسية و مساعده الطلبة.
لم تكن غربة سهله و لا شئ في الدنيا سهل أبدا لكني كلما وُضعت عقبة في طريقي أُذكِر نفسي انني بنت ياسين و ثريا مو بنت اي احد، أن عائلتي تملك قوى خارقة و أنا أولهم ، أني دائما بعون الله استطيع.
تغيرت المعادلة عندما مات أبي.. أصبحت و امسيت عصفورة جريحة الفؤاد كسيرة الجناح، هشة الاحساس، حتى تعودت على الم الفقد لتستمر حياتي.
الحمدلله الذي رزقني اربعه اخوه هم لي بعد الله جدران قوية تحيطني و اعطاني الزوج الذي يعطف علي و يحميني و أم صبورة عانت و تعبت في بُعدي و ستّاً تطمئنني بدعواتها و بوجودها في حياتي.
إعجابLiked by 1 person
نعم يا صفاء، لعل الله ادخر لك هذه الانجازات لتريها إياه في موقف أجمل ويفاخر بك أمام الخلائق كلهم وليس فقط أمام أسرته، وأنا أغبطك على ما فتح الله به عليك من حب المساكين وبإذن الله يكون لوالديك شرك معك في الأجر لأنك من نتاج تربيتهم
إعجابإعجاب
😭😭😭
إعجابإعجاب
غفر الله لوالدك الحبيب وجمعنا وجمعكم به وبوالدينا وأحبتنا جميعا في الفردوس الاعلى
ووفقك الله واخوانك جميعا للبر به بعد وفاته وأوصيكم ابني الغالي بوالدتكم المصونة واختكم الغالية
كما أوصيكم بأنفسكم في الدوام على فعل الخير والبعد عن كل ما يغضب الله سبحانه
قرأت مدونتك كاملة لحرصي على متابعة كل مدوناتك وأفتخر فيك وفي كل اخوانك
وأشكر لك اشارتك لنا نحن اصحابه
وأضيف لما دونته عن مآثر ابيك الغالي أنه كان يحرص على أن نجتمع نحن اصدقاؤه بصفة دورية كان هو اكثر من يدعونا الى التلاقي وأكثر اجتماعاتنا كانت تتم في بيته العامر تقديرًا منا لظروفه الصحية
رحمه الله رحمة واسعة
اللهم آمين
إعجابLiked by 1 person
جزاك الله خير يا عمي على هذا الكلام الناصح الطيب والصادق🌹
والله يحفظكم لنا ولأبناءكم تيجانا فوق رؤوسنا ويعيننا على بركم
إعجابإعجاب
اللهم اسكنه الفردوس الأعلى من الجنة بغير حساب ولاذرة عذاب
إعجابLiked by 1 person
بعض الفراغات لا يمكن ان تمتلئ مرة آخرى. غفر الله له و جازاه عنا خير الجزاء. وموازاة لذلك، اجد ان الكلمات لا توفي حق هذا المقام والفقد، العزاء في ذلك ان الذكرى كل يوم موجودة ويستذكر الشخص عديد المواقف التي تعينه على الدنيا وصعابها وعند كل لحظة تلهج النفس بدعاء خفي لمن علمها و جهزها.
الحديث صعب جدا والله، على الرغم مما تحمله النفس من مشاعر.
إعجابLiked by 1 person
أسأل الله أن يجبر كسرك أخي العزيز،
طبيعي أن يصعب عليك الحديث وأنت أكبر أبناءه وأكثر من رأيت كفاحه وسمعت تعاليمه
إعجابإعجاب
حبيبي انا اللي صار مظلة لنا الاخوة الاصغر يحتوينا بالسؤال و الرعاية دائما..حبيبي محمد اللي صار زي بابتنا ❤️.
إعجابLiked by 1 person
بارك الله فيك بارك الله فيك وفي أهلك جميعا وأحبك ورضي عنكم في الدنيا والآخرة وجعلكم أهلا يحبهم الله ورسوله
إعجابإعجاب
اللهم آمين وإياكم،
جزاكم الله خيرا على هذه الدعوات الجميلات
إعجابإعجاب
آمين وإياكم، جزاكم الله خيرا على هذه الدعوات التي تنفذ إلى القلب🌹
إعجابإعجاب
آمييييييين يا رب وإياكم
إعجابإعجاب