
معنى تأبين: الثَناء على المرء بعد موته وتَعداد مآثره ومَناقبه.
(تم كتابة هذه التدوينة بعد إعلان السلطات المحلية إلغاء اشتراط ارتداء الكمامة ضمن الإجراءات الاحترازية من الإصابة بعدوى فيروس كورونا الشهير).
بسم الله، ضمن رحلة الحياة التي يخوضها كل شخص في هذا الكوكب، نلقى أشخاصاً وأماكنَ وأشياء تبقى مخلّدة في ذواكرنا لسبب أو لآخر، فكلما تذكرناها لاحقا تداعت إلى أذهاننا جملة من المشاعر أو المعاني أو غير ذلك بسبب ارتباطها بها، وإنه لمن العجيب لأهالي القرن الواحد والعشرين أن يكون ضمن هذه الأيقونات العقلية: أيقونة الكمامة!
من ذا الذي يتصور أن هذه القطعة اللطيفة التي لم نكن نحتكُّ بها إلا في أحوال محدودة جدا مثل زيارة بعض المرضى في العناية المركزة ونحو ذلك ستتحول في يوم من الأيام إلى جزء أساسي من حياتنا اليومية فلا نستطيع أداء معظم أنشطتنا اليومية إلا وهي جاثمة على أفواهنا! أو مزيّنة لوجوهنا! (بحسب مشاعركم تجاهها😬)
وحيث إن دوام الحال من المحال؛ فلقد مرت الأيام وانفكَّ هذا الارتباط أخيرا بيني وبينك أيتها الكمامة، لكنك ستظلين تثيرين بعض المعاني اللطيفة في عقل متفكر كلما تذكرك…
فمن تلك المعاني أني لاحظتُ معكِ أن الغرب أيضا يعملون بقاعدة سد الذرائع! ولكن فيما يؤدي إلى أضرار مادية محسوسة، أما ما يؤدي إلى الإضرار بالأخلاق والعقول والعفة ونحوها من الأمور المعنوية الأكثر أهمية؛ فإنه ينقلب بقدرة قادر إلى تخلف ورجعية! كانوا يعلمون أن انتظار الداء حتى يحل بالجسد ثم البدء في مقاومته من الغباء المحض، فلم يجدوا محيصا من استباق ذلك بجملة واسعة من الإجراءات التي تمنع وصول المجتمع والناس إلى مرحلة الإصابة ذاتها، وهذا صحيح بلا شك، لكن فات على الغرب العبقري المتحضر للأسف أن يستَبِقُوا ذلك أيضا في المجالات الأخرى التي تنخر فيهم الآن!
معكِ عرفت أيتها الكمامة أنه لا بأس عند الغرب أيضا بتقييد الحقوق والحريات مثل حرية المرء في اختيار ملبسه؛ حيث يلزمونه بارتداء الكمامة وذلك حفظا للصحة العامة ونحوها من الاعتبارات التي يرونها، أما ما يفعله شرعنا الحنيف من تنظيمٍ بتقييد الحقوق والحريات لاعتبارات خاصة به- أسمى وأولى بكثير-؛ فإنه ينقلب بقدرة قادر إلى تخلف ورجعية!
معكِ استذكرتُ الحكمة الإلهية في حاجة الناس أحيانا إلى إلزامهم بفعل ما ينفعهم أو ترك ما يضرهم، فإن أرتالا من البشر ما كانوا ليطبقوا هذا الإجراء الاحترازي في ارتداء الكمامة لولا إلزام السلطة لهم بذلك، رغم أن أهل التخصص قالوا بأهمية ارتداءها وأثره في تقليل الإصابة بهذا المرض العصيب، فإذاً؛ ليس دائما يمكننا الاتكال على وعي الناس وعقلانيتهم بل لا بد أحيانا من تدخل ذوي الشأن، وفي هذا السياق يأتي الأثر النوراني العجيب لمقولة عثمان رضي الله عنه: (إن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن)، ولذلك جاء عندنا نحن المسلمين الأصل الشرعي العظيم المتمثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدرجاته الثلاثة!
ستظلين أيتها الكمامة رمزا عندي للفترة التي أخضَعَ فيها الخالقُ العظيم جميع سكان الكوكب لجندي واحد فقط من جنوده الذين يقول عنهم (وما يعلم جنود ربك إلا هو)…
معكِ استبان لي ضعف بني جنسي من البشر، إذ بادروا إلى التقنّع بك وارتداءك في كل محفل خوفا من فيروس لا يرى بالعين المجردة، هؤلاء البشر الذين يختالون في نفس الوقت باكتشافهم الذرة وسياحتهم في الفضاء، الذين وصلت نشوة المعرفة واختيال القوة ببعضهم إلى مبارزة الله بالإلحاد وإعلان مرحلة الاستغناء عن الإله، سرعان ما انكسر جبروتهم وبان للناس عوارهم!
ثم إني لمست معك أيتها الكمامة أثرا من آثار اسم الرزاق سبحانه، وذلك عندما انفتحت فجأة أبواب الاتجار بالكمامات لعدد من الناس بسبب الإقبال المهول على شراء الكمامات، وتصاعد الطلب عليها في وقت قياسي بما لا يوازي العرض، فسبحان الذي يسوق الرزق لعبده بما لا يخطر على البال!
صحيح أيتها الكمامة أنك مجرد قطعة قماش! إلا أنكِ كنتِ جنديا باسلا في معركة البشرية ضد كورونا وأيقظتِ في نفسي المعاني سالفة الذكر.
أما عن ميزات تجربتي معك، فلقد كان لك مزايا طريفة وغريبة نوعا ما:
منها أني كنت أشعر أحياناً بمزية أن تغدو وتجيء في بعض المواضع دون أن يعرف أحدٌ من أنت!، حقيقةً لا أعرف تعليل هذا الشعور لكنه كان شعورا لذيذا وملائما لي في بعض المواضع، ولا أدري إن كانت النساء يشعرن بمثل هذه المزية أم لا…
و حيث إن التأمل قد ساقنا للمؤمنات المحجبات؛ فأحب أن أدوّن هنا أني استشعرت عظمة الأجر الموعود لهن- بإذن الله- جرّاء تعبدهن لله عز وجل بالتزام الحجاب الكامل، حجابِ زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لما كنت أشعر به أحيانا من صعوبة في التنفس ونحوه، لا شك عند المؤمنات أن الذي أمر بالحجاب يعلم سبحانه أنه قد يضايق المرأة في بعض الأحيان، ولكنها صعوبة لا تختلف عن أي صعوبة يواجهها المؤمن في امتثاله لمختلف أوامر الله التي تتلقاه في جوانب حياته المختلفة، ناهيك عن كون الدنيا مبنية على المكابدة في حق الجميع، البر والفاجر والمؤمن والكافر، وإذا كنا نقبل المكابدة في سبيل تحصيل مباحاتنا ومطالبنا الدنيوية من الوظيفة والدراسة ونحوها أفلا نتقبلها في سبيل ما هو أعظم من ذلك! حسنا نعود لميزات التجربة…
ومن ميزات الكمامة اللطيفة أنك تتثاءب بها دون الحاجة إلى تغطية فمك لأنه مغطى أصلا، وقل نفس الشيء عن العطاس، ولقد كنت أتساءل عن سريان النهي عن (قربان المساجد حال أكل الثوم والبصل) على حالة لبس الكمامة، وذلك باعتبار الكمامة تمنع انتشار الرائحة إلى الغير، ولكن لم يبدُ لي أن حالتنا هذه خارجة عن النهي، فإن من علله ما جاء في الحديث المتفق عليه (فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم)، فإذا كانت الكمامة تمنع إحساس البشر المجاورين للإنسان بالرائحة فماذا عن الملائكة؟ ذلك خلق لا ندري كيفية تأذيه!
حسنا يا أصدقاء، تلك كانت أبرز تفكراتي عن الكمامة! فماذا عنكم؟ وهل لديكم كلمة أخيرة توجهونها للكمامة في حفل تأبينها؟
رابط الانضمام لمدونة متفكر على التيليجرام: https://t.me/mutafakker
تدوينة غريبة نوعًا ما ولكنها جميلة ، فقد ذكرت اهم مميزات الكمامة في التثاءب والعطاس كنت انسى دائمًا وضع يدي اذا تثاءبت وكان من حولي يوبخونني لذلك 🫠 ، فأصبحت لدي عقدة حتى اذا تثاءبت وانا ارتدي الكمامة اجدني اضع يدي أيضًا 😂 ، لكن كل من يعرفني يعرف من انا من خلالها أيضًا 😕 ، في بعض الاحيان اكون متعبة وليس لي طاقة لرؤية احدهم ولكنهم يكتشفونني 🤣 ، والحمدلله الذي أبعد عنا هذا الوباء وعافانا منه ورحم الله من مات بسببه ♥️♥️
إعجابإعجاب
آمين وإياكم، إذاً لعل التعرف على النساء من خلال الكمامة أسهل عليهن منا- معشر الرجال-
إعجابإعجاب
عوداً حميداً أيها المتفكر
أعجبتني بداية المدونة حينما تحدثت عن كيفية فرضها وعدم الاعتراض وذلك لعلم الناس باهميتها، وكيف أن الغرب يرفض فرض قيود على اللباس وغيره علماً أن المفاسد التي ستصدها العفة والستر أعظم كثيراً وذات أجل أطول من المفاسد التي ستصدها الكمامة، ولا ننكر أهميتها فبسبب الالتزام بالكمامة منا من لم يصبه الوباء ومنا من بسبب الكمامة لم يصاب بالأمراض الموسمية (الكحة-الزكام).
نسأل الله الوقاية والسلامة من هذه الأوبئة ورحم الله من مات بسبب هذا المرض وأخص بالذكر صديق الوالد.
إعجابإعجاب
آمين وموتى المسلمين 🤲🏻
إعجابإعجاب