
بسم الله، في فترةٍ مبكرةٍ من العمر سمعت عن دعاءٍ يُسمّونه دعاء الهم والحزن، قالوا إنه يُشرَع الدعاء به لمن أصابه الهم، أخذْتُ هذا الدعاء بطريقتنا السطحية المعتادة في التعامل مع النصوص الشرعية حيث نقتصر على تردادها بألسنتنا دون التفكّر في معانيها وما تحتويه من أسرار، فكنت في أوقات الحزن ربما تذكّرتُ الحديث وتلقّفْتُه من ذاكرتي فدعوت الله به مباشرةً مترقِّبا انكشاف ما بي، وأعني بذلك الدعاء الذي جاء فيه: (اللهمَّ إني عبدُك ، و ابنُ عبدِك ، و ابنُ أَمَتِك ، ناصيتي بيدِك ، ماضٍ فيَّ حكمُك ، عدلٌ فيَّ قضاؤُك ، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك ، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك ، أو أنزلتَه في كتابِك ، أو استأثرت به في علمِ الغيبِ عندَك ، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي ، و نورَ صدري ، و جلاءَ حزني ، و ذَهابَ همِّي).
ولقد مكثت على هذه الحال فترة من الزمن، حتى جاءت لحظة ثمينة من اللحظات التي يفتح الله بها على من يشاء من عباده؛ انكشف لي فيها فَتْحٌ عظيم، فتح مبهر، ولجت منه إلى سر من أسرار الراحة وهناء العيش، لقد اكتشفت- ولأول مرة- بعد استمراري سنين عددا أردد فيها هذا الدعاء من وقت لآخر؛ أن الدعاء ليس فيه طلب صريح بتفريج أصل الكربة!
كانت لحظة غريبة بالنسبة لي!، لقد كان المتوقع بعد هذه المقدمات الجليلة في الدعاء- والتي استغرقَتْ معظم ألفاظه- أن يُتوّج في خاتمته بطلب إزالة سبب الكرب في ذاته!، وإذ بالحديث يأخذك إلى مساحة أخرى ما كانت لترد في خاطرك! إنك تدعو الآن بأن يكون القرآن العظيم ربيع قلبك، ونور صدرك، وجلاء حزنك، وذهاب همك! هكذا يفتح النص عينيك بهذه الطريقة البديعة على السر الأعظم للسعادة والهناء وراحة العيش! إنه يكون عندما يصير القرآن ربيع القلب، وتفكَّر في لفظة الربيع في معهود البشر ثم نزِّلها على القلب الذي تشرّب القرآن، فصار القرآن هو غيثه ونباته وأجواءه ورياحه واخضراره! وكأن القرآن إذا صار ربيعاً للقلب تطايرت منه الهموم والأحزان فلم يعد له فيها موطئ قدم! وإن بقيت أسبابها من مرض أو فقر أو غير ذلك من مشاق العيش! وكل ما سبق يكشف لك كشفا مهولا في فهم أشهر مطلب يشترك في طلبه جميع البشر! ألا وهو مطلب السعادة وهناء العيش وراحة البال! إنه يدل على أن الهم قد يزول رغم بقاء سببه!، وأن الله قد ينزل السكينة والسلوى وانشراح الصدر في القلب فتستحوذ عليه حتى لا يبالي بعدها بما يصيبه من المشاق، وفي ذلك المعنى قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن مكائد أعدائه به: ( ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري إن رحت فهي معي لا تفارقني إن حبسي خلوة وقتلي شهادة وإخراجي من بلدي سياحة).
لقد أَمَرَتْنا الشريعة بهذا الدعاء لمن أصابه الهم! ثم نحن نكتشف الآن أنه ليس في الحديث تصريح بطلب إزالة سبب الهم! إنما نحن نطلب أن يكون القرآن مجلاة لهذا الهم! لا أدري إن كان القارئ قد شعر بنفس ما شعرت به، لكنها بالنسبة لي كانت لحظة محورية، لحظة من اللحظات التي يتوقف فيها الزمان والمكان حولك! إن طريقة تفكير البشر السائدةِ في السعادة وتعلَّقهم المادي بالأسباب يجعل السعادة أمنيةً موقوفة على زوال كل الأكدار التي تكدر العيش في الظاهر، لكن هذا الدعاء وغيره من النصوص الشرعية يقلب التفكير في الموضوع! ويجعل من الراحة وهناء العيش مطلبا ممكن الحصول وليس شيئا خياليا!
وقد يقول قائل: لا أتصور أن أكون مرتاحا وسعيدا رغم بقاء أسباب المشكلة، فكيف يجلو القرآن الحزن كما ذكرتَ؟ فالجواب أن للقرآن طرقا بديعة في ذلك، ليس المقال مخصصا لذكرها، لكن سأمثل بواحد منها فقط؛ ألا وهو التذكير المستمر بصغر الدنيا وقصرها وحقارتها بالنسبة للآخرة، وأنها كساعة من الساعات أو عشية أو ضحاها بالنسبة للآخرة! تخيّل أنك متجه في رحلة مدتها نصف ساعة بالطائرة إلى جزيرة الأحلام، جزيرة تملكها أنت بمفردك، فيها قصرك الخاص ويختك الفاخر وكل أصناف اللذائذ التي تحبها أنت خصيصا، ثم حصلتْ لك بعض المكدّرات في رحلة النصف ساعة هذه، فكيف تكون ردة فعلك، وكم سيكون حجم انزعاجك مهما حصل وأنت على وشك الوصول بعد لحظات إلى جزيرة الأحلام، فكذلك الدنيا عندما ينظر المسلم إليها من خلال القرآن الكريم.
وقد أشرت إلى بعض أساليب القرآن في معالجة الهموم في التدوينات الخمسة التالية، فانقر عليها إن شئت: العلاج النفسي بسورة الفاتحة، و قانون المعاناة الكوني، وأحزان الثريا، و عندما ينفد الصبر!، و رقية المظاليم، فاللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا!
رابط الانضمام لمدونة متفكر على التيليجرام: https://t.me/mutafakker
اكتشاف المزيد من
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اخوي تكفى انا بنت عمري 15 سنة صار لي 5 سنوات ما شفت بابا بسبب الديون الي عليه باقي له دين 30 الف واختي بغيبوبة ثلاث شهور وأخوي توفى قبل شهرين ونص تكفى صار لي 5 سنوات ما شفت بابا
إعجابإعجاب
نفسي تحط رسالتي واجتمع ب بابا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اخوي تكفى انا بنت عمري 15 سنة صار لي 5 سنوات ما شفت بابا بسبب الديون الي عليه باقي له دين 30 الف واختي بغيبوبة ثلاث شهور وأخوي توفى قبل شهرين ونص تكفى صار لي 5 سنوات ما شفت باب
ا
إعجابإعجاب
ما شاء الله تبارك الرحمن أخي الكريم الدكتور عبد الله فما دونته صحيح وأود ان اشاركك بإضافة وهي ان ارتباطنا بالقرآن العظيم فعلا ممكن يودي إلى ازاة الهموم لأننا نمر بايات فيها دعاء تؤدي لازالة الهم وتفك الكرب والضيق .. يلجأ لها دائما كل مَنْ يعاني الكرب والهّم والغم والدَيْن، كأن يقول كل من يصاب بالكرب وأفوض أمري إلى الله، وكذلك قراءة آية الكرسي تعمل على فك الكرب وازاله الهم والضيق الذي يشعر به الإنسان أحيانًا، كما أن هناك بعض السور في القرآن الكريم التي يمكن المواظبة على قراءتها لتفريج الكروب، وهي سورة البقرة، خاصة الآيات العشر الأخيرة، التي تتضمن آية الكرسي، وقراءة سورة الفاتحة وكذلك قراءة سورة. الانشراح”، حيث أكد علماء الطاقة أن قراءة سورة الانشراح بتدبر، تساعد في منح الإنسان طاقة إيجابية، وتزيل عنه الشعور الذي ينتابه أحيانًا بالهم والضيق، كما تعمل على تيسير الرزق وإصلاح الأمور.
ومن الآيات التي يجب ترديدها في حالة الشعور بالاكتئاب أو الحزن ما يلي:
سورة الفاتحة ، آية الكرسي من سورة البقرة ، الآيات 285، 286 من سورة البقرة: “آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ، الآيات من 117 إلى 119 من سورة الأعراف: “وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴿117﴾ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴿118﴾ فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ ﴿119﴾”.
قال الشيخ عمرو الوردانى، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن قراءة القرآن الكريم من أعظم الأدوية لعلاج الهم والكرب، مضيفا أن من يعانى من هم أوغم فعليه بقراءة آية الكرسى كثيرا.
وأضاف الوردانى، فى إجابته على سؤال « ما هى السور فى القرآن الكريم التى تزيل الحزن وتفك الكرب؟»، أن الله عز وجل نزل هذا القرأن كله شفاء للصدور ولكن هناك سور مجربة لفك الكرب وإزالة الهم والغم مثل قراءة سورة البقرة والفاتحة بل ان بعض العلماء قالوا أنه لبد ان تقرأ الفاتحة سبع مرات لإزالة الكرب والهم.
وأشار الى أنه كذلك من السور القرآنية التى تزيل الحزن والكرب سور الإخلاص، والفلق، والناس، وأية الكرسي مؤكدا أن المداومة على تلك السور تجعل الإنسان فى وقاية ويفرج الله بهم الكروب ويزيل بهم الهموم.
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: عشــر تمنع عشـرة: “الفاتحة تمنع غضب الله، يّس تمنع عطش القيامة، الدخان تمنع أهوال القيامة، الواقعة تمنع الفقر، الملك تمنع عذاب القبر، الكوثر تمنع الخصومة، الكافرون تمنع الكفر عند الموت، الإخلاص تمنع النفاق، الفلق تمنع الحسد، الناس تمنع الوسواس”، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لا تتمايز سورة على أخرى في القرآن، فكلام الله واحد من حيث الفضل والبلاغة والإعجاز، ولكن هناك سور اختص بها ربنا سبحانه وتعالى من الأسرار والفضائل، ما يعين الإنسان على استحضار الخير ومنع الشر عنه، وآيات القرآن شفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين، ونجاة لمن اعتصم به واهتدى بهداه من الكفر والضلال والعذاب الأليم، لذلك اختصت بعض السور بفضائل؛ وذلك جزء منه
إعجابإعجاب
جميل جميل، شكر الله لك أستاذي القدير على هذه المشاركة الضافية 🌹
إعجابإعجاب
القرآن العظيم نقطة الارتكاز الحقيقية للمؤمن.
إعجابإعجاب
إي والله، عبارة موفّقة 👌🏻
إعجابLiked by 1 person
لابن القيّم في كتابه الفوائد فصل جميل جدًا حول هذا الحديث تحت عنوان(حديث يتضمن حقيقة العبودية) أنصح بقراءته فقد قام بتفصيل كل كلمة فيه على نحو يجعلك تغيّر طريقة تفكيرك وانت تدعو به! رحمه الله وجزاه خير الجزاء
إعجابإعجاب
سأقرؤه بإذن الله ولك جزيل الشكر
إعجابإعجاب