فوائد الكسل

بسم الله، هناك تهمة شائعة عني في أوساط العائلة، ألا وهي أني كسول أو بارد، حتى إن أخي الأكبر محمد- أيام مراهقتنا- كان يشبّهني بشخصية كرتونية مشهورة بالكسل، تسمّى (شيكمارو)، ورغم تحفُّظي على هذه التهمة، ورغم اعتقادي أن لها جذوراً تعود إلى كون عِرقيّتي التي أنحدر منها تتّسم أصلا بحرارة في المزاج- بشكل قد يجعل أفرادها ينزعجون من الشخص طبيعي المزاج-، إلا أني أقول لإخواني: إن سلَّمنا جدلا بصحة رميكم لي بصفة الكسل، فإني أرى محاسن في هذه الصفة لا يمكن حجبها، تتلخص في التالي:

1- الكسل يعطيك فرصة للتفكير في الأشياء الأكثر أهمية، إلى أين يسير بك قطار الحياة؟، ماذا كنت؟ وكيف وصلت إلى ما أنت عليه الآن؟ بدلا من هؤلاء الذين لا يتوقفون عن الركض في كل حدب وصوب في طاحونة الحياة الهادرة، ولا يعطون أنفسهم فرصةً للتوقف والتقاط الأنفاس إلاّ بشكل إجباري بعد بلوغ سن التقاعد!

هذا الشخص الموصوف بالكسل يمارس وضعية حفظ الطاقة، ولا يصرف طاقته إلا بناء على الأهم فالمهم، إنه أفضل شخص في إدارة موارده، وهو أستاذ في ترشيد استهلاك طاقة الإنسان!

2-الكسل يؤدِّي بك إلى إعطاء (جسدك) حقه من الراحة، وللجسد على صاحبه حق، ويُسأل عنه يوم القيامة كما يُسأل الإنسان عن حقوق الآخرين عليه، والكسل يؤدي بك إلى إعطاء (مشاعرك) حقها من الراحة وصيانتها من كثير من الضغوط النفسية التي تحطم الإنسان المعاصر الغارق في المنافسة والمقارنة مع الآخرين، ستكون علاقتك بنفسك جيدة، لأنك تملك الوقت لكي تمارس فهم الذات وتتعمق فيه بشكل أفضل، وإذا كان الناس يسعون في بناء منزل مريح، واقتناء سيارة مريحة، والارتباط بعلاقات مريحة، فإنك تبني شخصية مريحة!

3- إذا كنتَ مشغولا على الدوام فلن تحظى بفرصة للتركيز على الأعمال القلبية من التوكل والرجاء والحب والخوف، والتي هي جوهر الدين وقاعدته الصلبة، طبعا هذا لا يعني أن الكسول متفوق في الأعمال القلبية، ولكن عنده مساحة في حياته لكي يقبل عليها!

4-الكسل يعطيك وقتا كافيا لاستحضار النيات الصالحة قبل كل عمل تختاره، وأحيانا لا تقوى أصلا على القيام لشيء إلا عندما تستحضر النيات الصالحة فيه، وحيث إن ثواب الأعمال وبركتها بحسب النيات في القلب، فسوف يكون مردودك من أعمالك أكبر من مردود غيرك، لأنك جوّدته وأتقنته بما قام في قلبك من نيات رائعة..

5- الأب عندما يكون كسولا فسوف يهنأ أبناؤه بمجالسته، واللعب معه، ومشاركته أحداث حياتهم وهمومهم اليومية، أما الأب النشيط فلربما سينتظرون حتى دخول الجنة حتى ينالوا منه هذه العطية! لأنه مشغول بالتنقل بين مشروع ومشروع، وإنجاز وإنجاز!

6-الكسول يُفسح المجال لغيره، وبالتالي تنشأ فرص عمل جديدة، وتدور عجلة التنمية بشكل أسرع، وإنني في هذا المقام أود أن أبين أن تطبيقات التوصيل من المتاجر والمطاعم من أجلّ وأكبر النعم في عصرنا هذا، وأني لا زلت أعيش في مقام الامتنان لله كلما تذكرتها، ولو كان الآباء كلهم نشطاء في جلب احتياجات أهاليهم لَكَسَدَ سوقُ هذه التطبيقات وحُرم من خيرها خلقٌ كثير من العاملين في التوصيل!

ختاما: إذا وصلت إلى هنا عزيزي القارئ فلا أظنه سيخفى على فطنتك أن السلوك المذكور بالأعلى ليس هو (الكسل) الوارد في النصوص الشرعية، والذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ منه في كل صباح ومساء، في قوله (وأعوذ بك من العجز والكسل)!، فليس كل ما عدّه الناس سلوكا مذموما هو كذلك في حقيقة الأمر، وليس كل ما عده الناس نجاحا أو إنجازا أو نشاطا هو كذلك في حقيقة الأمر، قد أكون لوحدي في المنزل جائعا، فأفضّل البقاء جائعا وإنفاق الوقت على الاستمتاع بهواياتي الخاصة على أن يذهب وقتي في الخروج وشراء الطعام، فهل هذا كسل؟ كثير من الناس يربط الكسل بالنشاط البدني فقط دون اعتبار للنشاط العقلي أو الفكري أو غير ذلك من الجوانب، حسناً أرجو أن أكون بهذا المقال قد صفّيت حساباتي مع إخواني الأشرار، والذين ستبقى نظرتهم لي كما هي حتى بعد قراءة هذا المقال، ونراكم على خير إن شاء الله🤣

رابط الانضمام لمدونة متفكر على التيليجرام: https://t.me/mutafakker


اكتشاف المزيد من

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.


4 آراء حول “فوائد الكسل

  1. أعتقد الكسل المقصود هنا هو البرود وليس الكسل المنهي عنه.
    وأعجبتني النقطة المتعلقة بدفع عجلة الإقتصاد 😂
    وما أراه أن هناك أوقات تستوجب الحرارة والعجلة ولعل غالب الأوقات يكون التأني في إتخاذ القرار هو المناسب

    إعجاب

  2. لا أسميها كسل ، بل ركادة 😅

    والبرودة أفضل بمليون مرة من العصبية التي قد تجر الإنسان لأمور قد لا تحمد عقباها

    (صديقك البارد)

    إعجاب

اترك رداً على د. عبدالله بن ياسين بخاري إلغاء الرد