بسم الله، شاركني مؤخراً صديقي العزيز، الممتلئ خَلْقاً وخُلُقاً، د. إيهاب حلواني، تغريدة تضمّنتْ تصريحاً لسمو الأمير عبد العزيز بن سلمان آل سعود، وزير الطاقة، عن العرقية الأوزبكية، حيث قال: (نحن فخورون أن جزءاً كبيراً من التنوّع العرقي عندنا من الشعب الأوزبكي، الذين كانوا جزءاً فاعلا من المواطنين السعوديين الصالحين. ويجب أن أعترف أن الكثير ممن هاجروا خلال الثورة البلشفية، بعيدا عن كونهم هاجروا بسبب الحفاظ على كرامتهم ودينهم وثقافتهم، أصبحوا مواطنين، وبعضهم أول من أسس الجيش السعودي. ونحن ممتنون لجهودهم)
هذا التصريح أعاد إلى ذاكرتي شيئاً من أحاديثي الغابرة مع والدي رحمه الله وبعض كبار العائلة عن تاريخ عرقيتنا وهجرتها إلى أرض الحرمين ومهوى الأفئدة، مما يتفق مع تصريح سموه في المضامين، حيث أشار التصريح إلى ثلاث قضايا: قضية التنوع العرقي في المملكة، وقضية الهجرة الشرعية فراراً بالدين، وقضية المشاركة في بناء المجتمع السعودي ونهضته، وسأشير لكل قضية في فقرة:
فأما التنوع العرقي؛ فإن الناظر في تركيبة المجتمع السعودي سيلحظ تنوعا عرقيا جميلا من شتى أعراق بني آدم، لأن مختلف السلالات البشرية كانت- ولا تزال- تتوافد على هذه الأراضي المباركة التي حباها الله بنعمة الحرمين الشريفين، اللذيْن تُعدّ زيارتهما عبادةً وقربةً إلى الله في حد ذاتها، ولطالما هاجر العبّاد والزهاد والعلماء والتجار على امتداد التاريخ الإسلامي إلى هذه البقاع لمجاورة الحرمين واختتام العمر عندهما، والجميل أن هذا التنوّع العرقي قد ارتبط برباط عقدي وقلبي لا يوجد له نظير في شتى بقاع العالم، ألا وهو رابطة الأخوة في الله، والاجتماع على رب واحد، ونبي واحد، ودين واحد، ولذلك حققوا أعلى درجات التعايش السلمي رغم كل اختلافاتهم، من قبل أن يعرف العالم الحديث نظريةَ التعايش السلمي في تسعينيات القرن الماضي، وقد أشرت إلى بعض ذلك في رسالتي للدكتوراه بعنوان: (القواعد الدستورية والنظامية لتحقيق مبدأ التعايش السلمي في المملكة العربية السعودية دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي)، حيث بينتُ فيها أن التعايش السلمي بين المؤمنين أرفع في مستواه، وأعمق في معناه وتفاصيله، من التعايش بمعناه المعاصر الذي يعني مجرد العيش في ظل وجود الآخر.
وأما قصة الهجرة، فنحن نتكلم عن هجرة حقيقية أيها السادة! هجرة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام!، أن تترك أهلك ووطنك ومالك عندما تخشى الفتنة على دينك!، الهجرة التي امتلأ القرآن والسنة بذكر فضائلها، فنحن أحفاد المهاجرين، الذين هاجروا إلى هذه البلاد قبل أن تصبح بلادا نفطية غنية يرغب فيها القاصي والداني على حدٍ سواء، فالحمد لله على هذه النعمة، ولا أدري والله لو لم يهاجر أجدادنا كيف كان حالنا سيصبح الآن! لربما كان (متفكر) الآن شابا ضائعاً في أزقة موسكو! قصة الهجرة هذه جديرة بمن يعتني بها ويتلقفها من أفواه الكبار ويوثِّقها، ففيها الكثير من الفوائد الدينية والتاريخية والثقافية، وسأكتفي ها هنا بذكر قصتين من قصص هجرة الأجداد، وكلتا القصتين تتعلق بالرضّع:
فأما الرضيعة الأولى؛ فهي أخت جدتي لأمي (نسميها في الحجاز: ستّي)، حيث كانت رضيعةً محمولةً في حِجر أمها أثناء عبور أجدادي المهاجرين للشريط الحدودي مع أفغانستان، وكانت الدوريات الروسية إذ ذاك تقتل كل المهاجرين الذي تضبطهم متلبسين بجريمة الهجرة، فحاروا في شأن هذه الرضيعة أثناء مرورهم بنهر من الأنهار، فأمروا والدتها أن تضمها إلى صدرها بشكل كامل حتى يختفي صوتها، فلا يصل إلى الحرّاس، ففعلت المرأة كما أمرتْها القافلة، وكانت الفاجعة بعد عبورهم لمنطقة الخطر أن الرضيعة قد توفيت اختناقا من شدة ضمها إلى صدر أمها، تخيلوا الخوف، والقهر، والألم، والاضطرار لترك الجثة والإسراع بالهروب! نسأل الله أن يجمعهما في الجنة. (نقلت لكم القصة من ستي مباشرة)
وأما الرضيعة الثانية، فهي أخت جدي رحمه الله، والتي كان عمرها يبلغ قرابة السنة، وعند مرورهم بمنطقة محفوفة بالحراس، واجهوا نفس المشكلة أيضا، لكنهم ابتدعوا حلا آخر؛ ألا وهو أنهم أعطوها قطعة مخّدر لكي تنام حتى يجتازوا المنطقة بهدوء، لكن القطعة كانت أكبر من أن تحتملها الرضيعة، فانتهت حياتها كما انتهت حياة الرضيعة الأولى. (نقلت لكم القصة من عمتي منوّر مباشرة)
إلى غير ذلك من البطولات والمصائب التي تعرض لها هؤلاء الأقوام الذين قطعوا آلاف الكيلومترات دون أن تتوفر لهم وسائل النقل الحديثة، فاللهم اجزهم عنا خير الجزاء.
وأما قضية المساهمة في بناء المجتمع السعودي، فلن أطيل فيها، لكني نظرت في النطاق العائلي الواسع الذي أعيش فيه، فأتيت لكم بأسماء شباب العائلة الذين أصبحوا أطباء، ولم أشر إلى بقية التخصصات الأخرى منعا للإطالة، ولا تنسوا أن تذكروا الله😊:
د. آلاء محمد عالم بخاري – استشارية جهاز هضمي وكبد ومناظير أطفال- مستشفى قوى الأمن.
د. تذكار منصور قوقندي- طبيبة أسنان حديثة التخرج.
د. سارة فهد أمين بخاري- طبيبة جراحة عامة- مستشفى الملك سلمان العسكري.
د. أروى حسن جمال- استشارية باطنة وأمراض صدرية لدى الكبار- مستشفى فقيه.
د. سعد جلال الدين سمرقندي- طبيب مجتمع- جامعة الملك عبد العزيز.
د. سهل جلال الدين سمرقندي- استشاري جلدية- مستشفى الحرس الوطني.
د. نجوى ناصر أنديجاني- استشاري أمراض نفسية- مستشفى القوات المسلحة.
د. أحمد عصام بخاري- طب أسنان أطفال- المستشفى الجامعي.
د. أمين عبدالرحيم مرغلاني – طبيب أسنان – جامعة أم القرى.
د. أحمد عبدالرحيم مرغلاني – طبيب أسنان – جامعة طيبة.
د. معاذ عبدالرحيم مرغلاني – طبيب أشعة – وزارة الصحة جدة.
د. أسامة عبدالرحمن مرغلاني – طبيب اذن وأنف وحنجرة – جامعة ام القرى.
د. عبدالله عبدالرحمن مرغلاني – طبيب أسنان – جامعة أم القرى.
د. رهف عبدالرقيب قاري- طبيب عام- مستشفى الملك فيصل.
د. تركي عبدالله جورة قاري- طبيب على وشك التخرج.
د. محسن عبدالرحمن مرغلاني – صيدلي – مستشفى الملك فيصل التخصصي.
ولهؤلاء الدكاترة أوجه التحية، ولجميع الآباء والأمهات الرائعين الذي يقفون خلفهم، ولكل رائع يسعى نفع الناس أيا كان تخصصه، هذا ولم أرد الاستقصاء، ورغم أني لن أذكر بقية المجالات الأخرى، لكني سأستثني وأذكر شخصين؛ أحدهما هو فضيلة الشيخ، الأصولي، المقرئ، حسن عبد الحميد بخاري، البروفيسور بجامعة أم القرى، وإمام المسجد الحرام في التراويح سابقا، وعميد معهد اللغة العربية للناطقين بغيرها سابقا، وصاحب الدروس الماتعة النافعة بالمسجد الحرام والمسجد النبوي، والذي تخرج على يديه أجيال من حفظة القرآن بمختلف القراءات من شتى الأجناس والعرقيات، زاده الله من فضله، والآخر هو شيخي وأستاذي، البروفيسور في العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة أم القرى، المؤصِّل لمنهج أهل السنة والجماعة في باب التزكية والسلوك، المكافح لأهل البدع فيها، د. لطف الله ملا عبدالعظيم خوجة، والذي تدرس عنده العقيدة بمذاق مختلف.
ختاما: يا أبناء الأوزبك، لقد هاجر أجدادكم فراراً بدينهم؛ فلا تضيعوا ما هاجروا لأجله، وكونوا أكثر الناس حرصا على هذا الدين، كما كان أسلافكم في القرون الغابرة، حين كانت الكثرة الكاثرة من علماء الإسلام هم من بلاد ما وراء النهر، انظر على سبيل المثال: كتاب: (القند في ذكر علماء سمرقند)، ولا تنسوا هؤلاء المهاجرين من الدعاء، فإن لهم فضلا عظيما فيما أنتم عليه الآن من خيري الدنيا والآخرة.
(قصة طريفة بيني وبين الوالد): حين كنت صغيرا في سن المراهقة، أقيمت مباراة كروية بين منتخب أوزبكستان ومنتخب السعودية، فمكثت أتفكر أيهما أشجع-، فذهبت لوالدي أسأله- وكأني أراه الآن- ناشراً صفحات الجريدة مشغولا بقرائتها- قلت له: (بابا، مين نشجع دحين؟) قال لي: (المنتخب السعودي، لأنهم استقبلونا وآوونا).
رابط الانضمام لمدونة متفكر على التيليجرام: https://t.me/mutafakker
اكتشاف المزيد من
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الله يا دكتور عبدالله!!
هذا المقال يكاد ان يكون من اروع المقالات التي قرأتها هذه الفترة، و قد يكون اروعهم فعلاً!
فهو يؤرخ بعض من تاريخ الاشقاء الاوزبكيين السعوديين و مجازفات اجدادهم و هجرتهم و قصصهم الشخصية التي تعبر عن شجاعتهم و فرارهم بدينهم.
رحم الله من توفى منهم في تلك الرحلات، و حفظ الله احفادهم الرائعين السعوديين قلباً و قالباً و نفخر انهم جزء منا.
لك مني جزيل الشكر على مشاركتك ايانا هذه القصص الفريدة من نوعها.
مع خالص تحياتي
بثينة اليوسف
http://www.bethjosef.com
إعجابLiked by 1 person
مرحبا بك أستاذة بثينة، سرّني مرورك، وشكرا على ثنائك😊
إعجابإعجاب
احلى وأطيب وأسمى وارقى ناس والله 🫶
إعجابإعجاب
تسلم عزيزي راشد 🌹
إعجابإعجاب
هل يوجد بخاريين في المجال العسكري برتب الضباط
إعجابإعجاب