كيف تكون داعما نفسيا؟

بسم الله، مرحبا يا رفاق، الصحة النفسية للجنس البشري في تدهور مستمر، ولا يبدو المستقبل مشرقا بالنسبة للأجيال القادمة من بني آدم، وقلّ أن يمرّ بك أسبوع إلا وتقابل مهموماً بأي نوع من الهموم- سواء في الواقع أو في مواقع التواصل الاجتماعي، إزاء ذلك، تغدو حاجةُ الشخص إلى تطوير مهاراته في الدعم النفسي أمرا ملحا، لا سيما عندما يكون الشخص المهموم ذا حق عليك، مثل الوالدين أو الزوج أو القرابة أو الأخوة في الله ، فيتأكد شرعا السعي في تخفيف همه والتسرية عنه، ثمة نقاط أساسية في الدعم النفسي لا ينبغي أن يختلف بشأنها أحد، هي بمثابة الأصول والمحكمات، وثمة نقاط محل اجتهاد، سأركز في تدوينتي هذه على النوع الأول، ويمكن إجمال المهارات التي أنصح بها في سبع مهارات:

أولا: مهارة الاستماع: بقدر ما يبدو الأمر بديهيا عند بعضنا، إلا أنه ليس بديهيا عند الجميع!، أحيانا يكون جلّ ما يحتاجه الإنسان هو وجود من ينصت له في هذا العالم المليء بالضوضاء الساحقة! مجرّد حكايته لما يمرّ به حاليا من مآزق يمثل له تنفيسا كبيرا عن الضغط الهائل الذي يجثم على صدره، فإذا تكلم وتكلم وتكلم، شعر بعدها بخفة في نفسه وانشراح في صدره. وإذا أتقنتَ مهارة الإنصات فقد حققت 50% من الدعم النفسي للناس، بل أكثر من هذه النسبة، ولذلك أعتقد أن إدراك ما يحتاجه الطرف الآخر مهم جدا هنا، هل هو فقط يحتاج (للفضفضة) أم أنه يبحث فعلا عن حلول؟، ويتصل بمهارة الاستماع مهارة أخرى هي كالتكملة لها؛ ألا وهي:

ثانيا: الإحساس بالطرف الآخر وتفهّم وضعه: مما يتصل بمهارة الإنصات أن تُشعر الطرف الآخر بإدراكك لآلامه وتعاطفك معها، حتى لو كانت المشكلة ليست بتلك الأهمية في منظورك الشخصي ونظرتك للحياة، أمامك شخص يتألم، ارحمه، ارفق به، أبد اهتمامك به وحرصك عليه، حتى ينفتح قلبه لاحقا لما قد تمليه عليه أو تنصحه به، وهذا التفهم لا يستلزم اقتناعك بالطرح الذي أمامك ولا اتفاقك معه بطبيعة الحال، وأسهل مثال يمكن ضربه هنا هو مشاكل الأطفال والمراهقين، والتي قد نعتبرها في غاية البساطة لكنها تؤرق مضاجعهم وتسبب لهم آلاما لا نهاية لها.

ثالثا: احتساب النية: فرق كبير بين من يستمع للموجوعين من أجل نيل مصلحة ما، أو لأن طبعه النفسي يتوافق مع هذه التصرفات، وبين من يفعل ذلك طلبا لرضى الله وتقربا إليه، وامتثالا للنصوص الشرعية التي توصي بحسن الخلق والإحسان إلى الناس، و(إنما الأعمال بالنيات)، فيوافي ربه يوم القيامة واجدا جبالا من الحسنات التي نالها من جراء هذه العبادات الاجتماعية العظيمة.

رابعا: لا تهرف بما لا تعرف: إذا كان الموضوع خارجا عن مستوى إدراكك، فاحذر أن تضع نصيحة في غير محلها فتكون كمن يصف الدواء الخطأ للمريض الخطأ، أتعجب من جرأة بعض الناس على إمطار الآخرين بأفكار خطيرة مثل الطلاق أو الاستقالة من الوظيفة أو الانتقال إلى مدينة أخرى بمجرد أن يسمع سرد المشكلة، كثيرا ما يكون تطبيق المهارات الثلاثة الأولى هو الحد الذي يجب أن تتوقف بعده، إذا كنت ناصحا وصادقا فعلا مع نفسك، وما أكثر المشاكل والخيبات التي تحصل في المجتمع بسبب النصائح الطائشة، التي لا تراعي اختلاف الحالات والبيئات والعوائل وغير ذلك من العوامل المؤثرة، ويتصل بهذه الوصية وصية أخرى، وهي:

خامسا: قل خيرا أو اصمت: صديقي العزيز، الدعم النفسي لا يستلزم الغيبة، ولا إيغار الصدور، ولا ممارسة دور الشيطان في التحريش بين الناس، فإن لم تكن مفتاح خير، فلا تكن مفتاح شر، أكاد أرى قرون الشيطان تنبت على رؤوس بعض الناس في مثل هذه المواقف.

هل هناك حاجة لبيان أني لا أقصد نفي حق المظلوم في الانتصار ممن ظلمه، أو الحق في رد الإساءة على المسيء؟ لا يحتاج؟ إذاً هيا بنا للنقطة التالية.

سادسا: صل الناس بالله: أعظم نفع تبذله للطرف الآخر هو أن تستثمر حالة الانكسار التي يمر بها في ربطه بالملكوت الأعلى وإدخاله على الله جل جلاله، وقد يغفل الطرف الآخر عن هذا بسبب الضعف الذي يحيق به أو إنساء الشيطان له، ذكّره بالسجود ولذّته، والحديث مع الله وطمأنينته، أخبره أن الله ينتظره، ويحب أن يسمع منه كل تفصيلة وكل جزئية في معاناته، وهذه تدوينة خاصة بالموضوع: (سبع مزايا حصرية للتعامل مع الله عز وجل).

سابعا: الحلول المضمونة: غالبا نحن لا نمتلك حلولا سحرية لمشاكل الناس، لكن هناك وصفات مضمونة ذات أثر حقيقي في تخفيف الألم، مثل التذكير بقصر الدنيا وصغرها بالنسبة للآخرة، وأنها مبنية على قانون المعاناة (قانون المعاناة الكوني)، ومثل إعادة النظر للمشكلة من منظور مختلف، وقد تناولت العديد من هذه الوصفات المضمونة في تدوينات مستقلة، مثل: رقية المظاليم، نظرية الحلوى، عندما ينفد الصبر!، فلسفتي في الهموم، لحظة انكشاف، غَوْصة الملهَم.


اكتشاف المزيد من

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.


رأيان حول “كيف تكون داعما نفسيا؟

اترك رداً على د. عبدالله بن ياسين بخاري إلغاء الرد