يا صاحب الوِرْد

بسم الله…

تستيقظ كل يوم، فيكون أولَ شيء عندك وأحبَ شيء إليك هو وردُك من كتاب الله وذكره…

يفتخرُ أهل الدنيا بمحافظتهم على (روتينهم الصباحي) من الرياضة، أو التأمل، أو غير ذلك من العادات الرائعة، وتفتخر أنت بأن لك (روتينا) أقدس من ذلك بكثير؛ إنه وردك القرآني!

يتسلّح الناجحون عندما يقارعون تحديات الدنيا بما أتقنوه من العادات الجيدة، وتتسلّحُ أنت بالمدد الذي يتنزّل عليك وقوة النفس التي تغشاك عندما تلتحف بهذا الوِرد.

لا تدري كم عينا حاسدة كُسِرتْ عندما نَظَرَتْ إليك- بفضل هذا الورد-، ولا كم بلاءٍ صُرِف عنك بقوّة هذا الدرع.

وعندما يأوي الناس إلى فُرُشهم في الليل، فيراجعُ كل إنسان أهم ما أنجزه خلال اليوم؛ يكونُ أول ما تسأل عنه نفسك: وِرْدي، هل قرأتُه؟ ، فإن كان الجواب نعم؛ نمتَ قرير العين، وإن كان لا؛ فلا يغمض لك جفن حتى ترد عليه فتنهيه كله.

يتشكّى الناس من كثرة الأشغال والصوراف عن ذكر الله وعن القرآن، لكنك تخصص أنفسَ أوقاتك وأهمَّها لوردك اليومي، بالله سل نفسك: كيف ينظر الله العظيم المجيد إلى قلبٍ لا يذكر الله إلّا إذا وجد فَضْلةً في وقته، وقلبٍ يجعل ذكر الله أهم أولوياته في يومه!

يغرق الناس كل لحظة في كم هائل من المقاطع والتغريدات والمشاركات لأمثالهم من البشر، وتغوص أنت في أقدس الكلام وأطهره، الحق المطلق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ما هو الاصطفاء الإلهي الذي ميّزك عنهم؟

لو نظرت إلى السكينة والرحمة التي تغشى بيتك فيتنعّمُ بها بنوك، ويتحصَّن بها بيتك، وتنطردُ الشياطين من دارك، لعرفت عظمةَ هذا الورد وبركتَه حتى على الأرض التي كنت عليها حين قرأته.

وفي حين يشعر أهل الدنيا بالأمان والشرف لأنهم من آل فلان أو فلان من البيوت العريقة والأسر النبيلة، فإنك تستمد أمانك لأنك (من أهل الله وخاصته)

وإذا بلغتَ من الكبر عتيّا وصرتَ ترى العجائز في سنك وقد خارت قواهم وتمدّدوا على أسرّتهم فما عادوا يقدرون على شيء من أعمال دينهم ودنياهم فستجد لسانك لا زال متمسكا بالورد القرآني، لأنك تعرّفت على الله في الرخاء فعرفك في الشدة.

وفي آخر العمر ينظر كل واحد من الناس إلى ما خلّف وراءه من أعمال أو شركات أو أموال متحسرِّا على كونه لم يقدم شيئا لحياته الحقيقية (يقول يا ليتني قدمت لحياتي) وتجد أنت جبالا من الحسنات التي تراكمت خلال هذه السنوات، فلكل حرف 10 حسنات، ولكل جزء من القرآن 100 ألف حسنة!، يارب الأكرمين! مئة ألف حسنة يوميا!

وعندما يأتي ذلك اليوم الذي تُقبرُ فيه، ويتركك أحب الناس إليك عائدين إلى دنياهم ومشاغلهم، يتمثّل لك وردُك من القرآن- وأعمالك الصالحة- على هيئة رجل حسن المنظر، فيجالسك في قبرك ويؤنسك، فلا يضيرك لو قامت الساعة بعد ملايين السنوات..

وعندما تقوم من قبرك يوم الميزان عاريا ضعيفا تائها يأتيك وِردُك من القرآن فيتوسط لك عند الله، (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ) رواه مسلم.

وعندما تُنشرُ الأعمال على الملأ، وتظهر الحقائق للعيان، يؤذن لك بتلاوة ما أشغلت عمرك به، لأن درجتك ستكون عند آخر آية منه، يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ، كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا)

اللهم اجعلني وقارئ هذه المدونة من أهلك وخاصتك، آمين.

فائدة: قال ابن القيم: أهل القرآن هم العالِمون به والعاملون بما فيه (وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب)، زاد المعاد 1/327.

رابط الانضمام لمدونة متفكر على التيليجرام: https://t.me/mutafakker


اكتشاف المزيد من

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.


3 آراء حول “يا صاحب الوِرْد

  1. اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك، يا ذا الجلال والإكرام. شكرا يا منفكر على هذه التدكرة. ودمت تنور عقولنا وقلوبنا من حين الى آخر.

    إعجاب

اترك رداً على د. عبدالله بن ياسين بخاري إلغاء الرد