الحنين إلى ذكرى ياسين

بسم الله، (مدونة متفكر) هي كالمنزل بالنسبة لي، وكما أن الواحد فينا إذا كَبُرَ وتزوَّج فإنه يُسرُّ غايةَ السرور حين يزوره والداه أو أحدهما في منزله؛ فكذلك أُحبّ أن أستقبل هنا في المدونة أحدا من الوالدين كلما مضت فترةٌ من الزمن، وذلك بمعيتكم أيها الرفاق المتفكرون🌹

رغم مرور بضع سنوات على وفاته، إلا أن ذكراه تنساب على مخيّلتي ومخيّلة زوجتي بأدنى مناسبة، والتي تعتبره والدا ثانيا لها كذلك، تمرّ بنا أحداث سعيدة، فنشتهي وجوده قائلين: لو كان حياً لكان في غاية الفرح الآن، ثم تمر بنا كوارث، فنحمد الله أنه قد انتقل من هذه الدنيا قبل أن يرى تلك الكوارث فيحزن، والحمدلله على قضائه وقدره.

حينما تقص جذع شجرة ضخمة ومعمرة من على سطح الأرض فإنك لا تعلم أن لها جذورا تحت الأرض أعمق وأطول وأكثر تشابكا من حجمها فوق الأرض، وهكذا هي ذكرى الوالد رحمه الله في نفوس زوجته وأولاده، باقية متجذرة في دواخلهم رغم رحيله من الدنيا.

تمنيت كثيرا أن أفتتح هذه المدونة في حياته، لكي أتفاخر به وأتغنى بحبه واحترامه أمام العالمين؛ كان سيُسرُّ كثيرا بذلك، فإن حاجة كبار السن إلى هذه المشاعر في غاية الأهمية، (تذكّر ذلك يا ويسو حين يكبر أبوك ويشيخ!) لكن العجيب أنه حتى وقت وفاته لم يكن واردا عندي ولا بنسبة 1% حتى أني سأزاول الكتابة، ولا يدري الواحد فينا كم يخبئ له الدهر من مفاجآت!

حين كنا صغارا، كان الحنان واللطف يأتينا من شتى الجهات، لكن حين نكبر يختفي كل ذلك وتحل محله المصالح، إلا من شخصين: الأب والأم! أشعر هنا أني أقول كلاما مكرورا للجميع، فلنكتف وننتقل إلى فكرة أخرى..

رغبتي في ذكر والدي هنا جديرة بالتفكر!، ربما أشعر أن الأوان قد فات لشكرك يا أبت على كثير من الأفعال، فكأني أحاول قضاء هذا الدَّين بعد وفاتك، مثل من يذهب إلى قبر فقيده فيقف على شفيره ويخاطبه، ومن يدري! فقد تصل إليك هذه الكلمات بطريقة أو بأخرى.

الجميل في شأن الوالد رحمه الله هو تواتر الرؤى على حسن حاله، يراه الأقارب والأباعد، قديما وحديثا، ثم يأتون ليحدثونا عن جمال ما رأوه فيه، ولا نتألى على الله، لكنها من باب إحسان الظن وتسلية الفؤاد.

كان والدي رجلا عظيما، شامخا، مكافحا، صلبا، مبتلى، صبورا، محبا لعائلته ملتزما ببذل كل ما يستطيع في سبيل إسعادها، وكان تجسيدا حيا لمعنى كلمة (السَنَد)، ولقد كنت أظن أن ما أراه من أبي وأمي هو (الوضع الافتراضي) في بقية الأُسَرْ، فلما كبرت وخرجت للدنيا عرفت كم كنت محظوظا بهذين الأبوين، فاللهم أوزعنا شكر نعمتك، ولقد كان يرجو الله أن يرحل عن الدنيا بدون أن يُتْعِبَ أحدا معه فتحقق له ما أراد، ذكرت شيئا من الخصال التي تركها وراءه في تدوينة: (شيء من إرث ياسين)، وأما والدتي الحبيبة حفظها الله فقد تكلمت عنها ومعها في ثلاث مقالات هي: (يا صاحبة الجلالة)، و: (حوار مع أمي الغالية (1))، و: (حوار مع السيدة الوالدة (2))، وكلها عناوين قابلة للنقر عليها لمن أراد.

ختاما خذوها من مجرب: هذه الدنيا الهادرة لن تتوقف قليلا لكي تعطيك فرصة مصممة وفق مقاساتك لتبر فيها بالوالدين، فانفض عن نفسك غبار التسويف؛ لأنك لا تدري كم تبقى لهما من أجلهما، وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا، وأما صراخهم، وإزعاجهم، وسبابهم حاليا، فستبحث عنه بالشموع في ظلام الدنيا الحالك بعدهما..

اللهم اغفر لعبدك ياسين، وارفع درجته، وجميع القارئين ووالديهم، وأعنا على بر والدينا أحياءا وأمواتا، آمين.

رابط الانضمام لمدونة متفكر على التيليجرام: https://t.me/mutafakker


اكتشاف المزيد من

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.


8 آراء حول “الحنين إلى ذكرى ياسين

  1. رحمه الله رحمة الأبرار وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة

    ربطتني به علاقة وثيقة منذ خمسة عقود جمعتنا مقاعد الدراسة ثم تطورت الزملة إلى صداقة ترقى إلى درجة الأخوة حتى بتنا من أهل البيت كما يقول الأوائل وإمتدت تلك العلاقة لوالده ووالدته وإخوانه وأخواته

    قبل الزواج كنا نجتمع كل عام في شهر رمضان على مائدة الإفطار عند والده وفي الأعياد كنا نحرص على معايدة والديه

    أذكر عندما كنا في الصف الثاني ثانوي تخلفه عن الإختبار النهائي فانطلقت ومعي إبن عمي محمد لمنزله بالمسفلة للإطمئنان عليه فوجدنا الكتب حوله متناثرة وهو نائم ووالدته تحاول إيقاظه ولم نخرج من المنزل إلا وهو معنا حيث أدرك إختبار المادة الثانية

    لي معه ذكريات كثيرة لا مجال لذكرها هنا ولا يسعنا إلا أن ندعو له بالرحمة والمغفرة وأن يجمعنا به ومن نحب في جنات النعيم

    إعجاب

  2. الله يرحم والدك وجميع امواتنا واغفر لهم، وأجمعنا بهم في الجنة. واحفظ أبي وامي يارب. قبل قليل فقط كنت أتكلم مع أمي عن هذا الموصوع، لاشي يدوم في هذه الدنيا فلنغتنم فرصة وجود والدين في حياتنا ووجودنا في حياتهم ونعمل قدر المستطاع على إرضائهم واسعادهم .

    إعجاب

أضف تعليق